Site icon IMLebanon

إسرائيل تريد رأس «حزب الله».. مقابل «داعش»

لا مؤشرات ميدانية تشي في هذه المرحلة بتوجه إسرائيلي لفتح جبهة مع «حزب الله».

لا المناورة على اخلاء المستوطنات في الجليل الأعلى، ولا الحديث المتزايد في الصحف الاسرائيلية عن سيناريوهات الحرب المقبلة، ولا الكشف المتسارع عن منظومات حديثة للتعامل مع طائرات «حزب الله» من دون طيار او عن انشاء وحدات نخبة جديدة لردع الصواريخ قبل انطلاقها، ولا أي مما ظهر الى العلن في الإعلام الاسرائيلي خلال الشهرين الماضيين يمكن ادراجه عمليا في المؤشرات الساخنة لاقتراب المواجهة.

غير ان الحراك الاسرائيلي على خط التحضير للحرب أمر جدير بالمتابعة، لا من باب الاستعداد فقط، بل لأن اشارات تصدر من داخل المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ومن الجبهة الداخلية تدل على ثغرات كبرى تحتاج الى وقت للمعالجة قبل ان تصبح اسرائيل قادرة على خوض حرب محسومة النتائج في الجبهة الشمالية.

قبل يومين، ناقش ما يقارب الـ500 ضابط اسرائيلي سيناريوهات مختلفة لحرب مفترضة عند الجبهة الشمالية.

كان لافتا للانتباه أن معظم الانتقادات تمحورت حول طرق إمداد وحدات الجيش الإسرائيلي المقاتلة في الحرب، لناحية توفير ونقل المؤن والمعدات العسكرية، فضلا عن نقل الجرحى والقتلى من ساحة المعركة.

الخلاصة التي توصل إليها كبار الضباط في اسرائيل انه لا يمكن حتى الآن الاستغناء عن سلاح الجو ووحداته الخاصة في تنفيذ المهام السابقة الذكر، ما يعني أن سلاح البر لا يزال غير قادر على تنفيذ المهام المطلوبة منه دون الاخلال بتموضع قواته في الميدان. تســتمد هذه التقييمات أهميتها من كونها تشكل مادة دسمة يمكن الركون اليها في مواجهة الحرب النفسية المتصاعدة التي تخوضها اسرائيل ضد لبنان و «حزب الله» منذ اسابيع.

حين توقع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل نحو شهر أن تكون الأشهر المقبلة «صعبة» و «حامية» في المنطقة، انطلق من قراءة واقعية لظروف المواجهة في أكثر من ساحة اقليمية؛ وفي قائمتها التفاهم الدولي غير المعلن على انهاء «داعش» فضلا عن التقدم «المتروي» للنظام السوري وحلفائه في الميدان السوري، والذي تدرك واشنطن جيدا دلالاته وتبعاته ان استمر بهذه الطريقة المتدرجة، من دون اغفال ما يجري من تطورات ميدانية في الميدان العراقي.

من الواضح أنه ثمة قرار أميركي متخذ بانهاء «داعش» في العام الحالي، بحسب ما اعلن الرئيس باراك أوباما بنفسه.

الضغط الاميركي باتجاه تقليص دور «الحشد الشعبي» في العراق في الفترة السابقة يؤكد الاندفاعة الاميركية في قطف انجاز هزيمة «داعش». ضخ الحيوية في غارات التحالف في سوريا والسباق نحو الرقة يؤكدان ذلك.

المتغير الوحيد في مشهد المنطقة هو شكل المواجهة، ولعل العنصر المؤثر في هذا المتغير هو ان الولايات المتحدة الاميركية تريد ثمنا في مقابل «تسهيل» هزيمة «داعش»: انه رأس «حزب الله».

يكاد يكون الرئيس الأميركي باراك اوباما في قائمة الرؤساء الأذكى في تاريخ البيت الأبيض. من غير السهل ادارة مصالح الولايات المتحدة في شرق أوسط غير مستقر بعد ان مكّن أوباما بلاده من اجتياز مرحلة الازمة المالية في العام 2008 عبر احتواء الرأي العام الداخلي بسلسلة قوانين واجراءات اقتصادية واجتماعية ومعيشية واعادة تموضع القوات الاميركية في الخارج وصولا الى رسم اطر جديدة للعلاقات مع حلفاء بلاده في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.

في عقيدة أوباما رغبة بترويض الجميع والجلوس في موقع المتفرج على صراعات لا تنتهي تحت سقف تضبطه مصلحة واشنطن. هذا ما يفسر دعوته للسعودية بوجوب أن تقبل بأن تكون ايران شريكة في ادارة النفوذ في الشرق الاوسط.

وفي ثوابت المشهد الاحتضان الاميركي المستمر لاسرائيل. بعد الاتفاق النووي مع ايران، سعت ادارة اوباما لاحتواء غضب حليفها الأصغر بوعود حول التخلص من «حزب الله» و «حماس».

وعلى الرغم من كل ما اُثير عن توتر في العلاقة بين رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو واوباما، لم يخرج الأخير عن حدود دور الرئيس الأميركي الأعرف بمصلحة اسرائيل: مَرروا لنا الاتفاق النووي وخذوا ما شئتم عند جبهتكم الشمالية…

على مسار مواز، لم تتسرب الى الإعلام بعدُ تقارير يمكن الركون اليها حول السيناريوهات المتعلقة بمصير لبنان على طاولة الكبار، حتى أن كل الكلام عن مصير النازحين السوريين في الفترة السابقة جاء ضمن سلة الرغبات الأوروبية ازاء هذه القضية ولم يعكس قرارا مبرما مخصصا للبنان فقط، بحسب ما تبين لاحقا.

تتقاطع الظروف أعلاه جميعها عند هدف مشترك واحد: بات من الضروري ايجاد حل لمسألة «حزب الله»، في سياق اعادة ترتيب الصورة في بلاد الشام وفق ما تقتضيه حدود الشرق الأوسط الجديد المبنية على انقاض سوريا.

مشهد انهيار الدولة في لبنان مغرٍ من المنظار الاسرائيلي. صحيح أن السياسيين في لبنان يقيسون مصير البلد عادة عبر جس نبض المبعوثين الدوليين عموما والأميركيين منهم خصوصا، وصحيح أن السياسيين اللبنانيين لم يتلمسوا بعد رغبة دولية مباشرة في «التخلي عن لبنان»، كما يحلو لهم التعبير؛ لكن الصحيح أيضا أن الاتفاق على مصير البلد على طاولة التفاوض بين الكبار سيعتمد اساسا على قياس وزنه!

ووسط انقاض الهيكل المتداعي للدولة والنظام في لبنان، يبدو «حزب الله» عنصر القوة الوحيد المتبقي القادر على اعطاء لبنان وزنا اقليميا.

يدرك الاميركيون هذا الوزن جيدا بعدما تلمسوا ثقله في الميدان في سوريا، وبما ان الخيار العسكري الاسرائيلي مؤجل حاليا (لاعتبارات عدة)، فلا خيار أفضل من الرهان على افقاد «حزب الله» وزنه واضعافه من خلال تأليب البيئة الحاضنة عليه عبر أداة العقوبات المصرفية، التي لن تنتهي عند قوائم اسماء يتم اضافتها دوريا، بل هي تعتمد في الأصل على مشروع آخر من مشاريع باراك أوباما التي تم الإعلان عنها في العام 2014 تحت مسمى «صندوق شراكات مكافحة الإرهاب»، و«حزب الله» في صدارة استهدافاته.