IMLebanon

حروب صغيرة بدل الحرب الكبرى

 

في شكل غير مسبوق، تتفاقم المخاوف من تعقيدات سياسية واقتصادية تقود إلى تطورات خطرة في لبنان خلال العام 2023. ولعلّ الأبرز هو انسداد الأفق إقليمياً، إذ يعتقد البعض أنّ رائحة البارود ربما باتت قريبة.

ثمة اهتمام استثنائي يبديه المحلّلون إزاء المناورات الأميركية- الإسرائيلية الجارية في غزة، والتي تحمل عنوان حرب محتملة مع إيران. فهذه المناورات هي الأقوى بين الجانبين، وتتمّ في توقيت دقيق، بعد عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، على رأس الحكومة الأكثر تطرّفاً وميلاً إلى اعتماد سياسة الهجوم.

 

المناورات أعقبت زيارة جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، الذي كان من كبار مستشاري الحكومة الأميركية خلال المفاوضات النووية الإيرانية، وهو موضع ثقة عميقة لدى بايدن عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، إذ شغل سوليفان موقع مستشاره للأمن القومي.

 

وتردّد أنّ محادثات سوليفان في إسرائيل تناولت مسألتين أساسيتين: الملف الإيراني وملف العلاقات الإسرائيلية- الخليجية. ووفق المحللين، هناك ترابط بين الملفين. فنتنياهو يحتاج إلى دعم الخليجيين العرب في أي عملية عسكرية ينوي تنفيذها ضدّ منشآت إيران النووية.

 

ليس في استطاعة إسرائيل، تقنياً، شن جهوم جوي على المنشآت الإيرانية من دون أن تتزود المقاتلات المحمّلة بالصواريخ بالوقود في منطقة وسطى، ومن دون الحصول على إذن باستخدام أجواء طرف ثالث. وهنا تبدو حاجة الإسرائيليين إلى الاستعانة إما بتركيا وإما بالخليج العربي.

 

من الجهة التركية، لن يوافق الرئيس رجب طيب إردوغان على الطلب الإسرائيلي بسبب علاقته الطيبة مع الإيرانيين والتنسيق معهم في مسائل كثيرة، ولاسيما سوريا والملف الكردي والعلاقة مع موسكو. ولذلك، بديهي أن يفكر نتنياهو بالخليجيين.

 

ولكن، حتى الآن، يشكو الإسرائيليون أيضاً من عدم تجاوب القوى الخليجية. فالتطبيع الذي أقامته إسرائيل مع بعض الدول الخليجية لا يعني أنّ العلاقات معها وصلت إلى حدّ التورط في حرب مباشرة مع إيران. كما أنّ القوة العربية الخليجية الأبرز، أي المملكة العربية السعودية، لا تنفكّ تعلن عن استعدادها للمضي قدماً في الحوار مع طهران، بهدف دفعها إلى رفع تدخّلاتها عن دول المنطقة.

 

في أي حال، لا تبدو إدارة جو بايدن نفسها متحمسة لمغامرة من هذا النوع مع إيران. وثمة مَن يعتقد أنّها في الحدّ الأقصى يمكن أن تقدّم الدعم اللوجستي لعملية إسرائيلية، ولكن بايدن ليس في وارد التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط، فيما استراتيجيته تقضي بالانسحاب من الرمال الإقليمية المتحركة.

 

ولذلك، يعتقد المراقبون أنّ واشنطن لن تستعجل الاستجابة لطلب إسرائيل تزويدها أكثر من 25 مقاتلة من طراز «F15» من نوع EX الذي يتميز بالقدرة على حمل منظومات أسلحة متطورة ومهاجمة المواقع النووية الإيرانية، إذا ما قرَّر الإسرائيليون ذلك.

 

فالمعلومات التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي نفسه تستبعد أن يتمّ تسليم الطائرات قبل العام 2028. وهذا يعني أن لا دور لهذه الطائرات في أي هجوم إسرائيلي محتمل قريباً على إيران، وأنّ الطائرات، عندما تصل إلى إسرائيل بعد 5 سنوات، سيكون الملف النووي الإيراني قد حُسِم على الأرجح.

 

تبدو إسرائيل مستعدة لخوض حرب ساخنة مع إيران لإضعافها، فيما الأميركيون يفضّلون الحرب الباردة لبلوغ هذا الهدف. وإذ يخطط نتنياهو لاستفادة من الوقت وتنفيذ هجوم عسكري يُحبط مشروع طهران النووي، يراهن الأميركيون على الحراك الاعتراضي داخل إيران وقدرته على إضعاف النظام الذي يقوده المرشد علي خامنيئي البالغ 83 عاماً.

 

كما أنّ حلفاء واشنطن الأوروبيين يبدون تمسكاً أكبر بالحلول السياسية مع طهران، من خلال إنعاش اتفاق فيينا للعام 2015، خصوصاً أنّ الملف الإيراني لم يعد يشكّل أولوية لهم، بعدما اندلعت حرب أوكرانيا في قلب أوروبا.

 

ولذلك، يبدو نتنياهو هو الوحيد في العالم الراغب في التعاطي عسكرياً مع الملف الإيراني. وهذا يعني أن لا أفق لخطة نتنياهو ضرب المنشآت النووية الإيرانية. وقد تتزايد احتمالات الاستعاضة عن العملية العسكرية بأساليب أخرى تستهدف المنشآت ومهندسيها استخبارياً كما حصل في نماذج سابقة.

 

ولكن أيضاً قد يعمد نتنياهو إلى استهداف أجنحة إيران في دول الجوار، أي في لبنان وسوريا والعراق، إضافة إلى غزة، لإبعاد نفوذ طهران. وفي هذا المجال، يمكن أن يحظى بدعم حليفه الأميركي، لأنّ ذلك لا يثير المخاوف من اندلاع حرب إقليمية.

 

وعلى هذا الأساس، ليس مستبعداً أن يتسع نطاق التوتر الداخلي في هذه الدول خلال المرحلة المقبلة، فتتعطل فيها التسويات. فالإيرانيون سيدافعون عن أنفسهم في هذه الدول التي بذلوا فيها كل جهد للحفاظ على النفوذ، وسيقاتلون بشراسة دعماً للقوى الحليفة لهم، لأنّ خسارة الإيرانيين في أي مكان خارج حدودهم هي أيضاً خسارة لهم في داخل الحدود، والعكس صحيح.

 

بناءً على هذه النظرة، يُنظر بقلق إلى مستقبل الوضع في العديد من دول الشرق الأوسط، ولبنان والعراق خصوصاً، لأنّهما البلدان الأكثر تأثراً بالصراع بين إيران وخصومها. فالحروب الصغيرة فيهما، السياسية وغير السياسية، قد تكون هي البديل من الحرب الكبرى التي يخشاها كثيرون.