يستحيل على الحكومة الإسرائيلية أن توقف النار في غزة بمفهومها العسكري وبأهدافها السياسية. فالمعركة لم تحقق أي من أهدافها بعد! والهدفان السياسيان والعسكريان الأساسيان لحرب إسرائيل على غزة هما منع أي خطر عليها في المستقبل من جانب غزة، أي عدم تكرار سيناريو مشابه لطوفان الأقصى في 7 أكتوبر، واستعادة ثقة الرأي العام فيها بالأمن، وبالجيش الإسرائيلي تحديداً!
ولكن الجيش الإسرائيلي لم يحقق بعد أي من الهدفين. لا بل إنه لم يسجل أي انتصار بعد في غزة! باستثناء احتلال لبعض الكيلومترات مدعوماً بصواريخ وغارات طيران مرعبة. ومع ذلك، فهو يواجه في هذه الكيلومترات مقاومة عنيفة من مقاتلي حماس تكبّده خسائر جمّة في الأرواح وفي الآليات. أما آلة القتل والتدمير لديه فهي تتسبب بمجازر بين الأهالي في غزة، وهي لا تدخل بالتأكيد في سجل الانتصارات، بل في خانة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ومع ذلك، يمكن إيجاز الأهداف العملانية لتحقيق انتصار إسرائيلي بثلاثة سيناريوهات، وهي:
1- احتلال غزة بالكامل واعتقال قادة حماس.
2- تصفية قادة حماس.
3- تنفيذ التهجير القسري باتجاه سيناء، و«تطهير» غزة من أهلها!
ومن شبه المؤكد عدم قبول إسرائيل بوقف كلّي للنار قبل تحقيق أحد هذه السيناريوهات الثلاثة. وإلّا سيُعتبر ذلك في الرأي العام الإسرائيلي قبل الرأي العام الدولي بمثابة الهزيمة. ومن المستبعد أن يؤثر ملف الرهائن على سير المعارك مع احتمال اللجوء الى هدنة إنسانية ثانية بعد حوالى الشهر (وثم ثالثة ورابعة وخامسة) مع تبادل للرهائن، من دون الإفراج عن العسكريين، وخاصة عن الضباط الإسرائيليين (باستثناء أي حالة مرضية). هدنة ثانية ستسمح لحماس بالتقاط أنفاسها بعض الشيء.
أما انتقال الحرب الى جنوب القطاع، فسيجعل من مهمة مقاتلي حماس صعبة جداً، لأن ذلك يعني القتال في خان يونس وسط الناس ووسط الأهالي! وسيصبح الأهالي في دائرة نيران الجيش الإسرائيلي كأهداف عسكرية، وهو الذي لم يتوقف لحظة عن استهدافهم بالقصف وبغارات الطيران! المساحات الجغرافية للتحرك سوف تصبح ضيقة على حماس، وقتال الشوارع سيصبح ضيقاً من دون خلفية للتراجع. وهذا سيكبّد أيضاً الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة. ولكنه لن يتوانى عن دفع فاتورتها هذه المرة بحجة القتال «الوجودي»!
أما الحل السياسي الشامل، كحل الدولتين أو غيره، فلن يُطرح جدّياً إلّا بعد انتهاء المعارك، وليس قبلها! وكل المساعي السياسية الحالية تدخل فقط في إطار التصورات والتحضيرات ليس أكثر. أما الحرب مستمرة لأشهر عدة إضافية! ولا وقف لإطلاق النار في الأفق!
ومن الضروري الأخذ بالاعتبار أنه من المستبعد أن تتوقف الأهداف الإسرائيلية على الداخل فقط، وعلى منع المخاطر الفلسطينية وحسب! وأنه من المحتمل جداً أن تأخذ إسرائيل المبادرة، لاحقاً، بعد الانتهاء من تحقيق أهدافها في غزة، بفتح حرب مباشرة مع حزب الله! وهي تحاول وتضغط لمنح فتح الجبهتين بالتوازي. ولكن الفاتورة العسكرية مفتوحة، ولن يكون لدى إسرائيل رادعاً لفتح جبهة جديدة بعد «الانتهاء» من الجبهة الأولى!
* صحافي ومحلل سياسي