IMLebanon

لبنان هدف الضربة الإسرائيلية الآتية؟

 

الانطباع السائد هو أنّ الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر تأثّراً بصدمة الاتفاق الإيراني- الصيني. ولكن، في التدقيق، قد تسلك إدارة جو بايدن نهج تدوير الزوايا تجنباً للصدام. والطرف الوحيد الذي سيكون مضطراً فعلاً إلى الحسم، بالمواجهة أو بالرضوخ لـ«الامبراطورية الفارسية»، هو إسرائيل. وأيّاً يكن القرار، فهو مُكْلِف ولن يمرَّ بلا أضرار جانبية.

 

مرَّ الإسرائيليون والأميركيون بأرفع مستوى من التفاهم والتنسيق على مدى السنوات الأربع الأخيرة. ونادراً ما حصل رئيس وزراء إسرائيلي على تغطية كاملة من الإدارة الأميركية، كما بنيامين نتنياهو مع الرئيس دونالد ترامب، من الملف الفلسطيني و«صفقة القرن» إلى اتفاقات التطبيع مع العرب إلى محاصرة إيران وامتداداتها الإقليمية.

 

في الملف الإيراني، كان نتنياهو أكثر الذين شجعوا ترامب على الخروج من الاتفاق حول الملف النووي، وكان يخشى أن تؤدي هزيمته في الانتخابات ومجيء بايدن إلى تعويم الاتفاق وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ما يسمح لإيران ببناء قدرات نووية تخشاها إسرائيل، ويتيح لها أن تكرِّس نفوذها وتنشر قواعدها وصواريخها على مقربة من الحدود الشمالية.

 

في منطق الإسرائيليين أن لا مجال لأنصاف الحلول مع إيران. فإذا استطاع الإيرانيون فرض أنفسهم قوةً نووية تتمدّد عبر العراق وسوريا ولبنان حتى الحدود الإسرائيلية وشاطئ المتوسط، فسيكون من الصعب كبح جماحهم في المستقبل. ويزيد في ترسيخ هذا النفوذ اتفاقهم مع الصين.

 

ولذلك، كان العقل الأمني والعسكري في إسرائيل يريد استثمار وجود ترامب في البيت الأبيض للضغط على إيران إلى الحد الأقصى وإسقاط طموحاتها، لكن الوقت سبقه. وينمو اقتناع في إسرائيل بأن أكلاف القيام بضربات عسكرية ضد الأهداف النووية الإيرانية كانت باهظة في مرحلة سابقة، لكنها كانت واردة. أما اليوم، فالأكلاف صارت أكبر، والضربة ربما باتت متعذّرة في شكل كامل.

 

ما الذي أعاق الضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية في عهد ترامب، ما أدى إلى ضياع الفرصة في شكل ربما أصبح نهائياً؟

 

سبق لإسرائيل أن سدّدت ضربات جوية لمفاعل «تموز» العراقي، زمن الرئيس صدام حسين، في العام 1981، أدت إلى تدميره وإنهاء الحلم العراقي بالقنبلة النووية. وفي السنوات الأخيرة، توالت ضربات إسرائيل لأهداف إيرانية أو مدعومة من إيران في سوريا وعلى حدودها مع لبنان، تردّد أنها تتضمن محتويات نووية أيضاً، وعل الأرجح دمّرتها.

 

ولكن، كان متعذراً أن تشنّ إسرائيل ضربات على المفاعلات الإيرانية في ناطنز وبوشهر وأصفهان وقُم وسواها لأسباب مختلفة:

 

1 – المسافة طويلة بين إسرائيل والأهداف. ويقول الخبراء إن الإسرائيليين سيضطرون إلى استخدام عدد كبير جداً من المقاتلات القادرة على اجتيازها جواً بحمولات ضخمة من القنابل المخصصة لهذا النوع من الأهداف، وعلى جولات عدة، ما يصعّب المهمّة.

 

وخلال ذلك، سيكونون مضطرين إلى استخدام أجواء تركيا والعراق أو دول عربية خليجية، ما يثير التعقيدات. كما سيكون عليهم التزوّد بالوقود في الجو، وهو استحقاق إضافي من الناحية التقنية.

 

2 – المنشآت النووية الإيرانية ليست موجودة في مكان واحد ليتمّ تدميرها كما المفاعل العراقي. وتالياً، قد تؤدي الضربات إلى تأخير البرنامج الإيراني، لا إلى إلغائه.

 

3 – هذه المنشآت ليست ظاهرة، وليس مضموناً إمكان استهدافها بالكامل في أماكن إخفائها تحت الأرض.

 

4 – كانت إدارة ترامب تراهن على إسقاط المشروع النووي الإيراني بالحصار والضغط والعقوبات على النظام، وبدعمٍ من قوى إقليمية ودولية مختلفة، بدلاً من استخدام أسلوب الضربات العسكرية.

 

5 – تلقّى الإسرائيليون تحذيرات من إيران وحلفائها وقوى أخرى من أن أي ضربة ستنفذها ضد المنشآت هناك سيتم الردّ عليها وبشكل مكثّف في إسرائيل نفسها، إذ سيجرى إمطارها بمئات بل آلاف الصواريخ من لبنان وسوريا، ما يضع إسرائيل في مناخ جحيمي.

 

هذه الأسباب أخّرت الضربة الإسرائيلية للمنشآت في إيران، وجعلتها اليوم أمراً شبه مستحيل. ولذلك، يتم التداول في الدوائر العسكرية والسياسية الإسرائيلية بخيارات بديلة. وربما يكون أبرزها توجيه ضربات إلى الخاصرة الإيرانية، الضعيفة نسبياً، في لبنان وسوريا.

 

وفي أي حال، يريد الإسرائيليون ضبط جموح إيران «الإمبراطوري»، بأي وسيلة. وبدأت تتكشّف بعض خياراتهم في المواقف التي يعلنها أركان هذه المنظومة. وقبل أيام، تحدث رئيس شعبة الاستراتيجية وإيران في أركان الجيش، طال كالمان، عن 4 عناصر تُحرّك إسرائيل في هذه الملف:

 

– النظام الراديكالي.

– البرنامج النووي.

– القدرات العسكرية.

– توسيع النفوذ إلى بلدان أخرى، كسوريا ولبنان.

 

في النقطة الأخيرة يقول: «إيران منافس استراتيجي بات على حدودنا. وصواريخ «حزب الله» الدقيقة التوجيه هي تهديد استراتيجي خطِر. وكذلك ما يُبنى في سوريا، وربما مستقبلاً في الساحة الفلسطينية والعراق واليمن وإيران نفسها. لكن أي ضربة وقائية ضد مشروع الصواريخ قد تجعلنا أمام معركة إقليمية. ونحن نبحث في ذلك».

 

وما لم يَقله كالمان، عبّر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي مطلع العام: «في ما يتعلق بالجبهة الشمالية، لا تُظهر إيران نية للانسحاب. ونحن نقوم بعملياتنا لمنعها من البقاء هناك».

 

إذاً، هل تهرب إسرائيل من مواجهتها الكبرى مع النووي الإيراني، بسبب «الهجوم» الصيني و«المهادنة» الأميركية، وتستعيض عنها بضربة أدنى طموحاً في لبنان وسوريا؟

 

وهل تكتفي بإبعاد النفوذ الإيراني عن حدودها الشمالية، ما دامت عاجزة عن منع إيران من التحوّل إمبراطورية نووية؟