ريم هاني
لم تسجّل إسرائيل أيّاً من «نقاطها» في حربها الأخيرة ضدّ حزب الله، لمجرد أنها تمتلك تفوّقاً عسكرياً أو تكنولوجياً على الحزب، أو سائر فصائل المقاومة في المنطقة؛ بل لأنّ الانتصارات التي حققتها المقاومة اللبنانية، معركةً تلوَ أخرى، جعلت صنّاع القرار في الكيان المحتل ينظرون إلى حزب الله على أنّه تهديد وجودي خطير، وربما «الأخطر»، وحاولوا، بالتالي، الاستعداد، قدر المستطاع، لأي مواجهة قادمة معه، على غرار تلك الدائرة اليوم. فعلى سبيل المثال، نشرت مجلة «فورين بوليسي»، أخيراً، تصريحاً كان قد أدلى به مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى، خلال لقاء مع كاتب المقال، العام الماضي، يقول فيه: «نحن قلقون بشأن إيران، ونتدرب ضد حزب الله، ونقاتل الفلسطينيين». بمعنى آخر، وطبقاً للتقرير، فإنّ الأداء الإسرائيلي الاستخباراتي لإسرائيل كان أفضل بكثير ضدّ حزب الله، مقارنة بأدائه ضدّ «حماس»، نظراً إلى أنّ إسرئيل تعلّمت «احترام» قدرات الحزب بـ«الطريقة الصعبة». ويستذكر التقرير الخسارة الإسرائيلية ضدّ حزب الله في عام 2006، بعدما فشلت في الانتصار على المقاومة، وهي التي كانت قد «اعتادت» على تحقيق الانتصارات المتكررة والمنخفضة التكلفة ضد القوات العربية، قبل أن تفاجأ بقدرة مقاتلي الحزب على الصمود، وحجم شبكة الأنفاق التي يمتلكها.على أنّ تلك الاستعدادات الإسرائيلية، وما ترتّب عنها من «إنجازات» تروّج لها إسرائيل في الوقت الراهن، لم تحسم بأيّ شكل بعد مستقبل الحرب، وسط إقرار غربي بأنّ الحزب لا يزال يمتلك ما يكفي من الأسلحة والقدرات لإلحاق ضرر هائل بالعدو. وفي السياق، يتابع التقرير نفسه أنّ المقاومة قد تتعامل مع التصعيد الإسرائيلي الكبير ضدّها، واغتيال الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، على أنّها أمام واقع يفرض عليها إما استخدام قدراتها وأسلحتها وصواريخها، أو «خسارة» القدرات المشار إليها، مؤكداً أنّ ترسانة الحزب لا تزال كبيرة، وقادرة، على الأرجح، على «إلحاق أضرار جسيمة» بإسرائيل. كما أنّ العديد من المراقبين لايزالون يحذّرون إسرائيل من أنّه بعد فشل الحرب «المحدودة» مع حزب الله في إعادة المستوطنين إلى شمال الأراضي المحتلة، فإن الحرب الشاملة التي تدفع إسرائيل في اتجاهها، يمكن أن «تأتي بنتائج عكسية» عليها، ولا سيما في حال انضمام إيران إلى المعركة، وانجرار واشنطن إليها، وسط ترجيحات بألّا تنتهي تلك الحرب، على غرار حرب عام 2006، بـ«انتصار» إسرائيلي، ما «سيرفع من مكانة حزب الله في المنطقة»، ويلحق أذى كبيراً بإسرائيل.
مراقبون: ترسانة حزب الله لا تزال كبيرة وقادرة على «إلحاق أضرار جسيمة» بإسرائيل
وفي تقرير منفصل، تلفت «فورين بوليسي» إلى أنّه تحت قيادة السيد نصر الله، أثبت حزب الله أنّه «الخصم الأكثر فعالية على الإطلاق» لإسرائيل، إذ طرد مقاتلوه «الجيش الإسرائيلي» من جنوب لبنان، وانتصروا في عام 2000، بفضل «قيادته المنضبطة»، فيما انسحبت إسرائيل وهي «في حالة من الفوضى»، تحت وطأة الهجمات الفعالة «والتي لم تهدأ»، قبل أن يتحوّل السيد، بحسب التقرير، إلى رمز شعبي للشجاعة والمقاومة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بعد حرب عام 2006، ولا سيما أنّه كان قد تمكّن من «أسر» الملايين بفضل «الكاريزما» الاستثنائية التي يتمتع بها. على أنّه على الرغم من إقرارهم بـ«حجم الشخصية» التي عمدوا إلى اغتيالها، يحذّر العديد من المحللين من أنّ تلك الخطوة، لن تضع، بأيّ شكل من الأشكال، نهاية للحرب، بل هي تخاطر، في المقابل، بتوسعها.
وفي السياق نفسه، يشير تقرير أوردته مجلة «فورين أفيرز» إلى أنّه بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، تستمر تكاليف الحرب في غزة في الارتفاع يومياً، وتتراجع حظوظ عودة الأسرى مع الوقت، ويستمر الوضع الإنساني في فلسطين في التراجع، فيما يقتل المزيد من المدنيين على أيدي القوات الإسرائيلية، ما يزيد، بشكل مطّرد، الضرر الذي لحق بسمعة واشنطن وتل أبيب وبمصالحهما على الساحة العالمية.
تنديد عالمي
وفي إطار ردود الفعل على عملية الاغتيال التي طاولت الأمين العام لحزب الله، حمّلت العديد من الدول واشنطن، علناً، مسؤولية التواطؤ في جرائم العدو المرتكبة على الأراضي اللبنانية. واستنكرت الدول الأعضاء في «التحالف البوليفاري لشعوب أميركا اللاتينية» (ألبا)، الاغتيال، ودانت، السبت، القصف الإسرائيلي الأخير على بيروت، داعيةً المجتمع الدولي والحركات الاجتماعية والحكومات إلى رفض الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية ضد فلسطين والشعب اللبناني. وجاء في نص البيان الصادر عن التحالف، أنّه في حين يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي «خطاباً مليئاً بالأكاذيب والتلاعب في الجمعية العامة للأمم المتحدة»، لا تكتفي «النخبة الصهيونية في إسرائيل بتدمير غزة وارتكاب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، بل يعتدون بوحشية على الشعب اللبناني ويهددون السلام والاستقرار في المنطقة والعالم».
من جهته، وصف الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، السبت، السيد نصر الله، بأنه «قائد العالم الإسلامي والشعوب العربية»، متبرّئاً، بـ«اسم القوى الثورية الفنزويلية» من «الجريمة» الإسرائيلية الأخيرة. وأردف مادورو أنّ «الهجوم جاء بأمر من نيويورك، من مقر الأمم المتحدة، وأن جبناء العالم صامتون، ولكن لن يُسكت أحد الشعوب الثائرة»، مضيفاً أنّه «من خلال الوحدة»، ستضع شعوب العالم حدّاً لـ«الحرب والاستعمار». ومن كوبا، دان الرئيس ميغيل دياز كانيل، عبر منصّة «إكس»، «عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت الأمين العام لحزب الله، نتيجة الهجوم الإسرائيلي على المباني السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما تسبّب في تدميرها وسقوط ضحايا من المدنيين الأبرياء»، مشيراً إلى ما يشكّله هذا الاستهداف من «تهديد خطير للسلم والأمن الإقليميّين والعالميّين»، والذي «تتحمّل إسرائيل، بتواطؤ من الولايات المتحدة، المسؤولية الكاملة عنه». من جهتهما، اكتفت كل من روسيا والصين بالإعراب عن «قلقهما»، والتحذير من عواقب الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على «الوضع في المنطقة» بأكملها.