سياسة مقالة
تتحضر إسرائيل لمواجهة سيناريو افتراضي – عملي، لمرحلة ما بعد عودة مقاتلي حزب الله من الحرب السورية، بعد الانتصار فيها، وأن يقرر تغيير قواعد الاشتباك على الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة. هذا السيناريو، وإن كان افتراضياً في المرحلة الحالية، لكن إمكان تحققه ليست مستبعدة في المرحلة التي تلي.
منذ سنوات، تحذر الاستخبارات الإسرائيلية مما تسميه فائض القوة لدى حزب الله، ربطاً بعدة عوامل في السنوات القليلة الماضية، ومن بينها التجربة العسكرية القتالية على مستويات واسعة، دفاعية وهجومية، في الساحة السورية. قتال مشترك على مستوى كتائب وألوية، خاضته وحدات حزب الله إلى جانب الجيش السوري ضد الجماعات المسلحة، وإلى جانب سلاح الجو الروسي في العامين الماضيين.
ولا تخفي إسرائيل قلقها من التهديد الذي تعاظم في السنوات الماضية، والمرشح إلى مزيد من التعاظم. عدم إخفاء إسرائيل قلقها، يعد جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية المواجهة التي تخوضها ضد حزب الله، إلى جانب مكونات أخرى، ثبت بإقرارها هي، قصورها عن تحقيق النتائج الموضوعة لها في تقليص التعاظم، الأمر الذي يلقي بظلال ثقيلة جداً على مرحلة ما بعد الحرب السورية، وعودة حزب الله بتجاربه وسلاحه وخبرته الطويلة، الهجومية والدفاعية، بعد أن كانت دفاعية بحتة في المراحل السابقة من المواجهة، إلى الحدود مع فلسطين المحتلة.
بالطبع، لم يغادر حزب الله الساحة اللبنانية، بل غادر جزء من قواته لحماية هذه الساحة تحديداً. الأمر الذي يعد، من ناحيته، حرباً متواصلة في نسخة معدلة ومطورة عن حرب عام 2006، تهدف إلى الغايات والنتائج نفسها وإن في ساحة أخرى لصيقة، الأمر الذي يعني من ناحيته أنه خاض حرباً لسبع سنوات، في سوريا، مع نفس الجهات الموجهة والمخططة، وإن بأدوات مختلفة هذا المرة.
هل العودة إلى لبنان، بعد إنهاء المهمة في سوريا، تعني تغييراً في قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي؟ سؤال يحمل مروحة من الاحتمالات، ومن المتعذر الإجابة القطعية عنه، خصوصاً أنها لا ترتبط حصراً بحزب الله وتوجهاته وقراره، بل أيضاً بالتوجهات الإسرائيلية للساحة اللبنانية، وإمكان أن يطرأ تغيير فيها يستدعي من حزب الله، وربما يلزمه، الرد على أفعال إسرائيل. هذا التعذر، وتعقيداته، يفسر تداول سيناريوات مرحلة ما بعد الحرب السورية وعودة حزب الله إلى لبنان بمعنى «التركيز» أكثر عليه، على طاولة البحث والتقويم لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مع التحذير من أسوئها علناً عبر الإعلام العبري، كجزء لا يتجزأ من استراتيجية المواجهة المسبقة لهذه السيناريوات، في حال تحققها بالفعل.
على هذه الخلفية، يأتي الربط العبري بين سيناريوات ما بعد الحرب السورية في لبنان، واللقاء الأخير في واشنطن قبل أيام، لرئيس اركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، جوزيف دانفورد. جهات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أعربت عن عدم رغبتها في التطرق إلى ما جرى بين الجانبين، وتحديداً إن كان الجانب الأميركي يعمل كجهة وسيطة في نقل رسائل التهديد من إسرائيل إلى لبنان. مع ذلك، ذكرت جهات أمنية إسرائيلية أخرى، أن «إسرائيل بعثت أخيراً رسائل رادعة وخطيرة إلى لبنان، مفادها بأنه ليست لديها نية للسماح بتغيير قواعد اللعبة، وبأن الجيش الإسرائيلي سيواصل الحفاظ على حرية الحركة الجوية لديه في السماء اللبنانية، وستكون العواقب وخيمة على حزب الله في حال عمل على تغيير الوضع الراهن في المنطقة وعلى الحدود».
وبحسب تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإنه مع انخفاض نطاق المعارك في سوريا والسيطرة على المناطق الحساسة، سيعيد حزب الله آلاف عناصره وقادته إلى القواعد في لبنان. وبالتوازي مع الشعور بالنصر على منظمات الجهاد العالمي وعلى مجموعات المتمردين والخبرة العملانية الغنية التي راكمها في سوريا، فإن حزب الله قد يفكر في أن إسرائيل ستكون مردوعة عن تنفيذ تحركات عسكرية وأمنية ضد تهديدات مختلفة انطلاقاً من لبنان.
قد تكون إسرائيل أعربت عن جزء من هواجسها وقلقها لليوم الذي يلي الانتصار في سوريا وعودة مقاتلي حزب الله إلى الساحة اللبنانية، التي في الواقع لم يغادروها من ناحية عملية. بالطبع، جزء كبير من السيناريوات التي تقلق إسرائيل لم يجر الإعلان عنها في الإعلام العبري، وربما لا يجري ذلك، على رغم أنها حاضرة وبقوة على طاولة البحث والتقويم الاستخباريين في تل أبيب: اجتماع الخبرة والتجربة القتالية الغنية، وكذلك التعاظم في الوسائل القتالية على اختلاف أنواعها، ممزوجة بإرادة التصدي لإسرائيل بعد الفراغ من الانتصار في سوريا، من شأنه أن يقلق، بطبيعة الحال، صانع القرار في تل أبيب. الوضع بات مغايراً، قياساً بسنوات من النجاح الإسرائيلي في إشغال حزب الله في الموقف الدفاعي، انطلاقاً من الساحتين: السورية واللبنانية على السواء.