يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، من دون أن يتّضح مسار الحرب بعد، في ظل تعقيدات المشاهد الميدانية والسياسية: الإسرائيليون يواصلون عملياتهم العسكرية بكل قدراتهم، والفلسطينيون يستمرون في المقاومة بكامل عناصر قوتّهم.
ولا يبدو أن العدوان الإسرائيلي قادر على فرض استسلام الفلسطينيين، بعد مضي ما يقارب الشهر على عملية “طوفان الأقصى”، لا بل أن حلفاء حركة حماس في محور الممانعة يساندونها عبر عمليات عسكرية متعدّدة: حزب الله فتح جبهة الجنوب اللبناني، العراقيون يستهدفون مواقع عسكرية أميركية في العراق وسوريا، واليمنيون يُطلقون صواريخ بعيدة المدى نحو إيلات، على وقع خطابٍ إيراني عالي النبرة في دعم غزة.
لكن، هل ستتوسّع الحرب على الجبهة اللبنانية، خصوصاً أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يطلّ غداً الجمعة؟
يعتبر مدير “مركز الإستشراف للمعلومات” عباس ضاهر أن “الحرب قائمة في جنوب لبنان ضد إسرائيل، وهي أدّت إلى تحقيق أهداف من دون الحاجة إلى توسيعها أكثر. ويقول ضاهر لـ “الديار” أن “الجبهة مفتوحة بطول ١٠٠ كلم وعمق ثلاثة كلم، وشغّلت ثلاثة ألوية إسرائيلية، وخسر فيها الإسرائيليون ضباطاً وعناصر من قوات النخبة، إضافةً إلى شلّ قدرات الإسرائيليين التكنولوجية الحدودية في الإتصالات وأجهزة الرصد”.
ومن ضمن هذا السياق، يرى أن “جبهاتٍ عدة مشتعلة أساساً، وليس بالضرورة توسيع جبهة لبنان طالما أنها تحقِّق أهدافها، علماً أن قراراً كهذا يخضع لحسابات ميدانية، خصوصاً إذا كانت تل أبيب ترغب بتغيير القواعد السارية حالياً في مساحات الإشتباك”.
ويعتبر أن “لا قدرة لأحد على تحديد مسارات وجغرافيات الحرب، لأنها منوطة بمعادلة غزة: كلما استطاعت الصمود، فهي تخفّف من حدة الجبهات الأخرى، ومنها لبنان، لذلك، فإن الأساس هو رصد الميدان الغزّاوي الذي يحدِّد مسار الإقليم، إلاّ اذا أطلّت تسوية دولية ما في الأيام المقبلة للحدّ من العدوانية الإسرائيلية”.
أين أصبحت الملفات اللبنانية؟ وهل بات الإستحقاق الرئاسي منسياً؟ يجيب بأن “كلّ الملفات مجمّدة إلى ما بعد اتضاح المسار الإقليمي الناتج عن حرب غزة، ومنها الملف اللبناني الذي ينتظر بتّ استحقاقه الرئاسي، علماً أن خريطة التحالفات السياسية الداخلية، قد تختلط بناءً على توازنات الإقليم الجديدة، ولا يمكن إلاّ الإنتظار وترقّب نتائج معركة غزة”.
أمّا بشأن إعداد لبنان الرسمي خطة طوارىء لمواجهة أي أزمة ناشئة عن تصعيد أو عدوان إسرائيلي، علماً أنها لاقت إنتقادات وتحفّظات بسبب نقص التمويل، فيقول إن “الحكومة قامت بواجبها بالتحضير قدر الإمكانات، خصوصاً أن البلد يعاني من أزمة اقتصادية، ولا يمكن للحكومة التفرّج من دون اتخاذ إجراءات متوافرة”. وبالتالي، لا بدّ من الإشارة لحسن التصرّف الحكومي في هذا الإطار، وللتعاون القائم بين الحكومة ومصرف لبنان المركزي، الذين نجحوا في تأمين الإستقرار النقدي القائم، رغم أن الحرب بدأت جنوباً منذ ثلاثة أسابيع، من دون أن ينعكس ذلك على وضع الإستقرار المالي”.
وفي هذا السياق، يرى أن “خطوات المصرف المركزي، كانت صائبة في الإجراءات التي حفظت سعر الليرة مقابل الدولار، رغم محاولة منصّات من خارج لبنان اللعب وهمياً بسعر الليرة في إطار الضغط أو المضاربة، وفي الحالتين فشلت المحاولة بفضل وعي المصرف المركزي في تثبيت السوق”.
لكن ضاهر يستدرك بأن “توسيع الحرب سيصيب لبنان في مساره المالي، في ظلّ العجز عن تأمين متطلّبات هائلة لمواكبة أي تصعيد مفتوح، وما ينتج عنه في ملفات الطبابة والنزوح ووقف الحركة الإقتصادية، وهي مسألة أكبر من قدرات لبنان ومؤسساته المالية والحكومية والشعبية، إلاّ إذا أراد النواب تشريع الصرف المالي من الإحتياط لتأمين حاجات الدولة اللبنانية في الحالات الطارئة، وهي الخطوة الوحيدة التي تؤمّن مصدراً مالياً”.