IMLebanon

الصامدون في حولا: قُتلنا كثيراً من أجل هذه اللحظة

 

 

في الشهر الرابع للعدوان الإسرائيلي على الجنوب، طالب رئيس المجلس المحلي لمستوطنة «مرغليوت»، إيتان دافيدي، جيش العدوّ بتدمير بلدات حولا ومركبا وميس الجبل، كتعويض «منخفض المستوى» عن عدم قصف بيروت. تهديد «ريّس» المستوطنة التي بنيت على أنقاض بلدة هونين، قوبل باستهزاء في حولا الواقعة على المقلب الغربي لتلّة العبّاد، أقلّه لأن دافيدي أُجبر مع سكان مستوطنته على النزوح، فيما لا يزال في حولا أكبر عدد من الصامدين مقارنةً مع بقية البلدات الحدودية.قبل أسبوعين، استهدفت غارة إسرائيلية ليلاً مدخل البلدة الشمالي، فسهر مهنّد دياب (41 عاماً) لإزالة الردم من الطريق حتى الفجر، موعد خروجه من منزله متوجّهاً إلى عمله في مرفأ بيروت. أحداث الأشهر الأربعة الماضية لم تغيّر برنامجه اليومي. يغادر فجراً، سالكاً الخط الحدودي من حولا إلى العديسة حتى تل النحاس، ويعود بعد منتصف الليل عبر الطريق نفسها. قبل يومين، تمهّل دياب في القيادة بعد منتصف الليل بسبب المطر بمحاذاة مستعمرة المطلّة، فأطلق الموقع المعادي رشقات رشاشة لترهيبه. يضحك دياب من تهديد دافيدي: «يا مرحب… إذا طلع بإيدو». في البلدة القديمة وقبالة موقع العبّاد، يقيم دياب مع أطفاله الأربعة وزوجته في منزل لجأ إليه بعد مغادرته منزله الواقع عند أطراف وادي السلوقي، حيث تتركّز معظم الغارات. الأطفال يتابعون الدراسة عن بعد في مدرسة حولا الرسمية بعد الإقفال القسري لمدارس الحدود.

على طريق حولا – ميس الجبل، تقع ورشة أحمد غنوي (67 عاماً) لتصليح الإطارات. يحمل «البنشرجي» المغرز ويصوّب باتجاه موقع العبّاد المشرف على البلدة، سائلاً ما إذا كان دافيدي وسكان مستوطنته قادرين على الاقتراب من الحدود أساساً: «نحن هنا عند الحدود… أين هو؟».

هذا الصمود دفعت حولا ثمناً باهظاً له منذ زمن طويل. «كل البيوت أبكتها إسرائيل دماً»، يقول علي عبّود وحوله جيرانه الذين تحلّقوا حول الصوبيا في منزله، ويبدأ بالعدّ: «عباس مزرعاني نجل الشهيدة نصيفة، وصفي طاهر الأسير المحرر من معتقل الخيام، خالتي وابنتها وعمّتي اللواتي قتلتهنّ العصابات الصهيونية عام 1949…»، قبل أن تقاطعه زوجته عزيزة شقير: «عام 1995، انفجر لغم إسرائيلي زرعه العملاء في الساحة. أصبت بشظيّة في رأسي واستشهد طفليّ: رويدة ووديع، وأصيب ابني أيوب بشلل نصفي أقعده على كرسيّ متحرك منذ السابعة من عمره». وتضيف: «قُتلنا كثيراً من أجل لحظة نكون فيها أعزّاء في ديارنا، ويكون فيها اليهود مهجّرين أذلّاء».

في زقاق متفرّع من ساحة حولا، يتجمّع شبّان أمام فرن آل حسين. تقول منتهى، التي تعمل في الفرن مع شقيقها حسين: «لم تتوقّف العجّانة. الطحين متوافر، والزبائن لا يزالون هنا». بعدما تفرغ من عملها في الفرن وتدريس طفلتيها، «تطفش» إلى البرية لـ«تسلّق» الخبيزة والشومر. في عدوان تموز، بقيت منتهى وحسين في البلدة إلى ما قبل 10 أيام من انتهاء العدوان عندما أُجبروا مع من تبقّى من الصامدين على الخروج بسبب التهديد الإسرائيلي. لكن، «الأيام تغيّرت. مضت أربعة أشهر على الحرب من دون أن نشعر يوماً بتهديد لوجودنا ولعملنا. هذه حرب نفسية أكثر منها عسكرية».

في حي القرقاف، تتسامر إنعام وزوجها موسى مزرعاني مع من تبقّى من جيران. تقول: «قبل أسبوع، كان الحيّ يعجّ بالسكان بسبب بعده عن القصف. لكن غارة استهدفت حقل زيتون في الحارة الشمالية القريبة، أجبرت كثيرين على النزوح، بعدما أدى القصف إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت وألحق أضراراً بألواح الطاقة الشمسية». ابنة كفرصير التي انتقلت إلى حولا قبل 53 عاماً، خبرت بلدة زوجها في كل المراحل: محتلّة ومحرّرة ومدمّرة وصامدة. تقول: «أتجوّل في أرجاء البلدة كما في الأيام العادية. لا أرى إسرائيل أمامي». موسى الثمانيني، شقيق علي مزرعاني، أحد شهداء مجزرة حولا عام 1948، يستذكر المجزرة وكيف هام في البراري المحاذية لمنزله حافياً باتجاه السلوقي: «عشنا بالذلّ والتهجير والتنكيل بسبب إسرائيل».

في الحيّ نفسه، يمرّ «الفان» نفسه يومياً ليقلّ ملاك حسين (14 عاماً) وزملاء دراستها إلى مدرستهم في تبنين، عبر أطراف حولا باتجاه وادي السلوقي، حيث يخشى كثر المرور خوفاً من القصف. «المسلّم الله»، يقول والدها وسام، مشيراً إلى أنها «انقطعت عن الذهاب إلى المدرسة لأكثر من شهر خوفاً من القصف على الطريق. لكنّ الغارات وقعت في الحيّ». بالمثل، لم ينقطع «أبو هادي» عن عمله في نقل الركاب إلى بيروت ومنها.

في ساحة البلدة، يتجمّع شبان يومياً حول «تنكة» يشعلون الحطب فيها ويطلقون عليها «تنكة الصمود»

 

يتوزّع الصامدون بين مختلف أحياء حولا، باستثناء حيّيِ العبّاد والمرج المقابلين لموقعَي العبّاد والمنارة. حاول العدوّ إفراغ البلدة عبر استهداف أحياء سكنية وقتل الشهيدة نصيفة مزرعاني ونجلها محمد. نحو 80 في المئة من الأهالي نزحوا، معظمهم إلى البلدات القريبة لتسهيل التحاق أولادهم بالمدارس بعد تأجيل العام الدراسي الرسمي. رغم ذلك، لا تزال حركة الصامدين تزعج العدوّ، الذي قصف قبل أيام، بالقذائف الدخانية والفوسفورية، ساحة البلدة، حيث يتجمّع شبان يومياً حول «تنكة» يشعلون الحطب فيها ويطلقون عليها «تنكة الصمود». أمس، أعاد الشبّان ترتيب «القعدة» في زاوية تقيهم من المطر قبالة نصب شهداء مجزرة حولا التي نفّذتها عصابات الهاغاناه.

من بقي في حولا يشعر بتغيير ما، لكن محدود. في الشتاء، يتقلّص عدد المقيمين كما في سائر البلدات الحدودية. وبسبب العدوان تقلّص بشكل أكبر، إنّما لا تزال مقوّمات العيش متوافرة. «الدكان وربطات الخبز والفرن والصيدلية ومحطة الوقود ومحل تشريج الهواتف وبسطة الخضر لا تزال تعمل كالمعتاد»، قال أبو جمال سليم صاحب محطة الوقود، مضيفاً «كل منّا يجب أن يخدم الصمود في مجاله». ولتعزيز الصمود، قدّمت جمعية العمل البلدي في حزب الله كميات من المازوت لتشغيل مولدات الاشتراك ووزّعت مازوت تدفئة للمنازل الصامدة. كما وزّعت البلدية، بالتعاون مع العمل البلدي واتحاد بلديات جبل عامل ومجلس الجنوب، حصصاً تموينية.

تضرّر 512 منزلاً في مستوطنات الشمال

تصدّرت الخسائر في المستوطنات شمال فلسطين المحتلة اهتمامات وسائل الإعلام الإسرائيلية التي نقلت عن إحصاء رسمي، تضرّر 512 منزلاً بنيران حزب الله منذ 7 تشرين الأول الماضي، بين أضرار جزئية وهدم كامل. ونقل موقع «واينت» أن الجيش قرّر خفض عدد قواته على الحدود لمنع حزب الله من استهداف المنازل التي يكون الجنود فيها أو قربها».

وقال رئيس مجلس مستوطنة شلومي إن سقوط صواريخ «بركان» عليها «أصبح أكثر تكراراً، ونحن في خطر حقيقي». فيما ذكرت وسائل إعلام أنه رُصدت الأسبوع الماضي زيادة في استخدام حزب الله للصواريخ الثقيلة.

في المقابل، واصل حزب الله استهداف المواقع والتحصينات الإسرائيلية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، فاستهدف انتشاراً للحنود في ثكنة زرعيت، وتجهيزات تجسّسية في موقع الرادار إضافة إلى موقعَي الرمتا والسماقة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وسجّل فيها إصابات مباشرة.‏‏‏ ‏