IMLebanon

موعد إستثنائي مع الحسم بعد العزم

 

وسط أجواء العدوان الإسرائيلي على لبنان براً وبحراً والذي يذكِّر قارئي تاريخ الحروب المتجنية، بالعدوان الهتلري على فرنسا، إستكمالاً لما هو متواصل قصفاً وتدميراً وتجويعاً للشعب الفلسطيني في غزة تنفيذاً في الحالتيْن لمخطط نتنياهو الذي في أحدث تحديداته له هو «إن الحرب التي نخوضها هي لتغيير وجه الشرق الأوسط…»، وسط هذه الأجواء ترتسم في الأفق العابق بمفردات الذين يعتمدون الباطل نهجاً لهم، خطوة تنظر إلى الأمور بمنظار الحكمة والمنطق وبما هو لصالح مجتمعات الإقليم التي بلغ الضيق من الممارسات البنيامينية مداه. وتتمثل الخطوة بالسعي السعودي لوضع الأمور على سكة التعقّل وذلك من خلال قمة عربية – إسلامية ترحّب بإنعقادها دول «التحالف العالمي لحل الدولتيْن» الذي على ما يجوز الإفتراض كان نتاج سعي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز مع قاصدي التمنّي عليه بما لحضوره العربي والإسلامي والدولي من تأثير إختراق أجواء العدوان الذي تتفاقم الكوارث الناشئة عنه، بصيغة من التشاور الشامل الذي يهيّئ لخطوة هي إنعقاد قمة عربية – إسلامية تجمع أجواء عقْدها بين وضْع نهاية للعدوان وذلك بقرار من القمة يتم إتخاذه ويحمل في طيات مفردات صياغته إرادة ضغط فاعل تقرأ إسرائيل هذه المفردات قراءة مَن يرى أن حلم التطبيع قد يشهد ومن أجْل التهدئة وليس غير ذلك، إنتكاسة تعليق لما تم من حالات تطبيع ثم ها هي الأجواء التي إفتعلها الشر البنياميني تعطي مثل هذا التعليق صحة وجوب الإقدام عليه.

وإذا جاز الإفتراض فإن الدول العربية والإسلامية التي طبَّعت وجدت ومباشرة بعد إنجاز التطبيع وتبادل العلاقة الدبلوماسية، أن مبتغى نتنياهو من هذا التطبيع يتعارض مع الذي تراه الأطراف العربية والإسلامية التي أقدمت على الخطوة إذ أنها إفترضت بالتطبيع ما ينهي بالتدرّج حدّة الصراع العربي – الإسرائيلي وصولاً إلى الرد على الخطوة بما يحسم أمر قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وعندما لم يأتِ الموقف الإسرائيلي على هذا النحو فإن الدول الحديثة التطبيع والبادئة به من قبل إتخذت موقفاً تحفظياً أزاء نتنياهو حيث بعضها لم يتجاوب مع إلحاحه زيارتها كما هنالك مَن إنتقد وبعبارات بالغة القساوة ما بدأه نتنياهو عدواناً غير مسبوق على غزة ثم أتبع العدوان بمثيله على لبنان. وفي عدوانيْه بدا نتنياهو كمَن يفتعل شراً الغرض منه إحراج الأمتيْن العربية والإسلامية وتصويرهما على أنه يستطيع أن يفعل ما يريد ولا تريده الأمتان مستغلاً في ذلك حالة من التناقض ناشئة عن ثغرات في الرؤى إزاء مستقبل المنطقة وإستقطابات شملت القضية الفلسطينية وما تسببت به خيارات صيغة الأذرع الخارجية ومفردات خطاب في وسائل هذه الأذرع لم يأخذ صيَّاغها في الإعتبار الأصول والبدهيات وأهمية الصلة التي للقضية الفلسطينية في المشهد العربي.

 

قد يكون عدم إستباق التطورات الكارثية وعقْد قمة عربية – إسلامية تأخّر بعض الشيء. مثل هذا الإفتراض وارد، لكن في الوقت نفسه من الجائز القول إن عدم التبكير سببه إنتخابات الرئاسة الأميركية والصلة العضوية التي لإسرائيل في السياسة التي ينتهجها الحزبان المتنافسان «الجمهوري» و«الديمقراطي». ولذا فإن عدم التبكير كان في محله، ثم نرى المملكة العربية السعودية وفي الأسبوع الأخير من الحملة الإنتخابية ومن قبل أن يحسم أحدهما ترامب أو هاريس أمر المنصب ويتبوأه تُطرح الفكرة بصيغة إبتكارية حيث التمهيد للقمة جاء في ضوء الحراك الذي يمكن أن ينشأ عن «التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتيْن» الذي تم إطلاقه من جانب المملكة في سبتمبر/ أيلول 2024 على هامش إنعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الـ 79 بإسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين.

 

ليس من باب إستباق الأمور يمكن القول إن إنعقاد القمة العربية – الإسلامية وبعد أن يكون بان الخيط الأبيض الجمهوري من الخيط الأغبر، سيضع ولا بد الأوضاع في مدار التصحيح، ولا بد سترى إسرائيل نفسها بوجود نتنياهو أو ببديل إضطراري له أمام واقع جديد ترى الإدارة الأميركية أنه المناسب لتصحيح مسارات العلاقة الأميركية – الإسرائيلية مسحاً لما لطختْه إعتداءات حكومة نتنياهو وجيشها على الشعبيْن في غزة ولبنان وبالسلاح الأميركي بكل أنواعه المدمرة وطائراته الحربية المتطورة وصواريخه التي فاق أذاها بكثير فعل القذائف البوشية ضد ملجأ العامرية في بغداد بمَن فيه من نساء وعجائز وأطفال.

وثمة نقطة بالغة الأهمية وهي أن الأطراف العربية التي أخذت مبكرة بخيار التطبيع ستجد في ما تقرره القمة أنه تصحيح أو تعديل لما سبق وأخذت به. ولا بد أن جيل الحاضر في دول طبَّعت سيأخذ في الإعتبار أن القمة العربية التي إستضافها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمة لله عليه) في بيروت بعدما كان إنعقادها بموجب الترتيب الأبجدي في دولة الإمارات قررت بالإجماع الموافقة على مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز (رحمة لله عليه) التي من بين بنودها ما يفتح باب التطبيع المشروط بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

على بركة لله السعي والساعي للقمة التي كما قممه المثمرة في الرياض والعلا وجدة، وأيضاً كما القمة العربية ذات اللاءات الثلاث مرفقة بالترميم العسكري والمادي في الخرطوم (سبتمبر1967) بإيحاءات من جانب الملك فيصل بن عبد العزيز رحمة لله عليه، ستكون قمة الحسم بعد العزم عربياً وإسلامياً. قمة تعوِّض صبر الناس في غزة ولبنان ومعاناتهم ومأساة نزوحهم وتضع حداً حاسماً وتوعداً غير قابل للتأجيل والتسويف الدولي – الإسرائيلي في شأن الأخذ قبولاً بصيغة الدولة الفلسطينية وتدعيماً لها. قمة تنعش ذبولاً عابراً في مهابة الأمتين وتدرأ توصياتها وقرارها الملزم ما هو أدهى وأعظم حدوثه في حال بقاء المصير في أيدي لاعبين ومتلاعبين ومغامرين عرباً ومسلمين وصهاينة بالمصائر والكيانات.