أبدت جهات سياسة متابعة ومواكبة لما يحصل في «إسرائيل»، قلقها من أن تذهب التطورات الميدانية في غزة إلى ما هو أبعد من ذلك، بحيث تستغل «إسرائيل» ما يجري من حروب وأزمات ونزاعات ما بين روسيا وأوكرانيا، إلى حرب السودان، حيث تُعتبر متضرّرة إلى حد كبير من إعادة العلاقات والروابط بين المملكة العربية السعودية وإيران، والأمر عينه على خط عودة سوريا إلى الجامعة العربية. كما ان «إسرائيل» تمرّ بأزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، يسعى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى إعادة العمل على لملمة شعبويته وتحصين دوره السياسي، وعلى هذه الخلفية يسعى إلى إشعال الوضع مع غزة، وربما يجرّ دولاً أخرى في المنطقة إلى ساحة المعركة لتحقيق أهدافه السياسية، بعد الكبوات التي سقط فيها.
في السياق، تشير المعلومات والمعطيات من قبل المواكبين والمتابعين، إلى أن ما يجري في غزة بعد اغتيال «إسرائيل» لكوادر عسكرية من «الجهاد الإسلامي»، حرب استباقية وذات رسائل وعناوين سياسية. وفي المقابل، فإن الوضع على الحدود اللبنانية ـ «الإسرائيلية» ممسوك من قبل الجيش اللبناني وبالتنسيق مع الأمم المتحدة وبعض القيادات الفلسطينية، التي تتلقى توجيهاتها من السلطة في رام الله، لمنع استغلال ما يحصل من قبل أي طرف، وإشعال الحدود الشمالية مع «إسرائيل» لتوريط لبنان في هذه الظروف التي يمر بها، وإقحامه في صراع لا ناقة ولا جمل له فيه.
ولكن، وفي موازاة ذلك، ومن المعلومات المستقاة من بعض الخبراء العسكريين والسياسيين، يلاحَظ أن طابع المعارك الجارية اليوم كلاسيكي، ويأتي أيضاً ربطاً بالتحوّلات والمتغيّرات الأخيرة الحاصلة في المنطقة، والتي لم تستسغها «إسرائيل»، وتحديداً التقارب بين الرياض وطهران وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بمعنى أنها تسعى الى «خربطة» هذا الوضع أو المتغيّرات التي جرت، وهذه اللعبة باتت مكشوفة وواضحة. وإنما في السياق نفسه، هنالك قلق كبير يحيط بلبنان ودول المنطقة، لا سيما الساحة المحلية التي تعتبر، وفي مقارنة بين أقرانها في المنطقة، تبدو ساحة هشّة قد تتواءم مع أي متغيِّر ومتحوِّل إقليمياً ودولياً، خصوصا أن «إسرائيل»، ولأول مرة منذ فترة طويلة، تغتال أربعة قياديين دفعة واحدة، وهذا مؤشر خطر ينبئ بعودتها إلى ممارسة هذا الأسلوب المتمثل بسياسة الاغتيالات، ما يؤشِّر إلى ردود انتقامية دون تحديد مكان الردّ أو توقيته، ولكن ونظراً لحجم الاعتداءات، وعلى وجه الخصوص الاغتيالات المتعدّدة التي حصلت، فذلك يُبقي كل الاحتمالات واردة على الساحة المحلية.
وتشير المعلومات إلى تنشيط وتكثيف الاتصالات مع الدول المعنية والأمم المتحدة لتجنيب لبنان أي عدوان «إسرائيلي»، خصوصاً على أبواب موسم السياحة والاصطياف، الذي سيكون واعداً، ولبنان واللبنانيون بأمس الحاجة إليه، وهو ما يضع لبنان من جديد أمام اختبار آخر، وقلق يخيِّم على المسؤولين السياسيين وأبناء البلد، باعتبار أن «إسرائيل» لديها تجارب عدوانية كثيرة، فيما هناك جهات متنوعة الانتماءات أصولية ومن المتطرفين، قد يستغلون هذه الأوضاع ويتحرّكون بعد تلقّيهم توجيهات من بعض القوى الإقليمية، ممّا ينذر بإبقاء لبنان ساحة ومنصة.
وبناءً عليه، فإن الجهود التي بُذلت، وفق المتابعين والمواكبين لها، تمكنت حتى الآن من الإمساك بزمام الأمور، إنما المخاوف تبقى قائمة نظراً لعدم قدرة البلد على بسط سلطته بشكلٍ تام، ولجم مثل هذه التنظيمات والقوى المتطرّفة، وعليه فإن التواصل جارٍ في الجنوب وعلى مستوى الحكومة مع جهات فاعلة في العواصم الكبرى والأمم المتحدة، لتحييد لبنان عن أي خضّات وأخطار محدقة به.