Site icon IMLebanon

سلاح الجو الإسرائيلي في أية حرب مقبلة مع «حزب الله»؟

في 12 تموز 2006، فاجأت اسرائيل لبنان بهجمات جوية غير مسبوقة على «بنك أهداف» كان محضّرا مسبقا، ردا على خطف جنديين اسرائيليين في منطقة مزارع شبعا في الجنوب اللبناني. سرعان ما توسعت الهجمات وتحولت الى حرب حقيقية بقيادة رئيس الأركان الجنرال دان حالوتس، وهو بالمناسبة، طيار حربي وقائد سابق للقوت الجوية الاسرئيلية.

قرر حالوتس خوض الحرب في الجو من دون حشود برية كما كان الحال في العامين 1978 و1982، ولعله بذلك استذكر حرب حزيران 1967 عندما دمرت الطائرات الاسرائيلية معظم القوات الجوية المصرية والسورية في صباح الخامس من حزيران، وحققت تفوقا جويا حسم نتيجة الحرب في بدايته. لكن النصر الاسرائيلي السريع تحقق وقتها لأسباب اخرى أهمها ضرب منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات في الجيشين المصري والسوري، فتحول بعدها القتال الى انسحاب مصري الى الضفة الغربية لقناة السويس وانسحاب سوري خارج هضبة الجولان.

أما في لبنان، فقد فشل سلاح الجو الاسرائيلي بعد نحو 12 ألف طلعة جوية في ضرب منظومة القيادة والسيطرة لـ «حزب الله» وقواعد الصواريخ ارض ـ ارض، وبالتالي، فشل في تحقيق هدف القضاء على «حزب الله».

خلال الحرب، ارتكبت اسرائيل مجزرة في قانا في 30 تموز، وأعلنت على اثرها وقف الغارات الجوية لمدة 48 ساعة، وفي المقابل، ردت المقاومة بإعلان وقف إطلاق الصواريخ لمدة 48 ساعة ايضا. عندما أعلنت المقاومة ذلك، فهذا كان يعني أن قيادة المقاومة ما زالت تملك كامل القدرة على التحكم والسيطرة على الوحدات العسكرية وعلى منصات الصواريخ. وبالفعل، كانت القيادة تعطي الأوامر، فتتلقاها الوحدات في مختلف المناطق وتلتزم بها التزاما صارما، وما إن مضت الـ48 ساعة، حتى استأنفت منصات «حزب الله» إطلاق الصواريخ لغاية 14 آب، موعد صدور قرار مجلس الامن الرقم 1701.

وكما فشلت اسرائيل في ضرب منصات الصواريخ ومواقع الوحدات القتالية البرية بسلاحها الجوي، فإنها نفذت ضربة جوية مخططة شملت أهدافا حيوية أهمها تدمير نحو مئة جسر في مختلف المناطق اللبنانية، بما فيها في عمق جبل لبنان وفي الشمال اللبناني. بدا «بنك الأهداف» الذي قدمته المخابرات العسكرية «أمان» الى القوات الجوية خاليا من أي هدف عسكري وازن، وخير دليل أن استمرار إطلاق الصواريخ طوال الأيام الثلاثة والثلاثين للحرب شكّل تحديا لسلاح الجو الاسرائيلي والمؤسسة العسكرية الامنية الاسرائيلية بالكامل. وما أذهل اسرائيل هو إطلاق رشقة صواريخ من موقع اللبونة المواجه مباشرة للحدود الاسرائيلية قرب الناقورة، قبل دخول وقف النار حيز التنفيذ بساعات قليلة، أي ان طائرات اسرائيل عجزت طوال فترة الحرب عن كشف منصة صاروخية تقع في مرمى الهواوين والمدفعية الاسرائيلية عند الحدود مباشرة!

كانت السيطرة الجوية لإسرائيل واضحة. لم تزعجها لا طائرات مقاتلة ولا صواريخ دفاع جوي ولا رادارات إنذار ومتابعة. سبق هذه الحرب سنوات من تحليق طيران الاستطلاع الجوي الاسرائيلي في أجواء لبنان من دون أي اعتراض سياسي أو عسكري، فضلا عن معلومات استخبارية وفّرتها شبكات العملاء وأجهزة الاستخبارات الصديقة والحليفة والمتعاونة معها.

بعد عشر سنوات على انتهاء الحرب، تطورت القوات الجوية الاسرائيلية وضمّت طائرات ف 35 الى أسطولها الجوي وتعزز الدفاع الجوي الاسرائيلي بشبكة «القبة الحديدية» الأميركية وهي صواريخ أرض جو لاعتراض صواريخ «حزب الله» و «حماس» و «الجهاد». وشهدت اسرائيل تطورا كبيرا في صناعة الطائرات من دون طيار وتوسع استخدامها في قواتها الجوية. كما ان القمر الاصطناعي الاسرائيلي افق 5، وهو قمر تجسس واستطلاع، يعمل على مدار الساعة فوق المنطقة. أيضا، ضاعفت اسرائيل وتيرة تعاونها مع دول عربية وإقليمية ودولية في مواجهة «حزب الله»، وتراجعت الى حد كبير أعمال المقاومة الفلسطينية التي باتت تقتصر على مقاومة السكاكين.

في المقابل، تطور السلاح الصاروخي لـ «حزب الله» وبات يغطي كامل الاراضي الاسرائيلية والمياه الاقليمية، بما فيها منصات النفط والغاز. كما طور «حزب الله» الطائرات من دون طيار، وأشهرها «ايوب» التي تمكنت من الدخول بعمق خمسين كلم داخل الأجواء الاسرائيلية والتقاط صور وأفلام وإرسالها قبل ان تكشفها الرادارات الاسرائيلية وتسقطها.

يبقى الدفاع الجوي للمقاومة لغز الحرب المقبلة ومفاجأته الكبرى. صرح السيد حسن نصرالله مرارا انه لا يؤكد ولا ينفي وجود صواريخ مضادة للطائرات لدى المقاومة. بمعنى آخر، يجب أخذ احتمال حيازة «حزب الله» صواريخ دفاع جوي على محمل الجد. في هذه الحالة، من المفترض أن يكون «حزب الله» مجهزا بصواريخ لا تحتاج الى بنى تحتية ظاهرة. غالب الظن انها ستكون من طراز «اوسا» المتحركة وهي شاحنة تحمل الرادار وقواعد الإطلاق معا ويمكن إخفاؤها، أو نماذج اخرى مشابهة يصل مداها الى ارتفاع 10 كلم أو أكثر. وهذا يعني، أنه في حال وجودها، تتقيد حركة القوات الجوية الاسرائيلية، بما فيها طائرات الهليكوبتر لغاية ارتفاع 10 كلم وربما أعلى. لن يعود التفوق الجوي الاسرائيلي كاسحا ولا السيطرة الجوية كاملة، كما ستفقد القوات الجوية الإسرائيلية قدرتها على المساندة القريبة للوحدات البرية المهاجمة والمدافعة أيضا.

إن تقارب الانتشار العسكري لـ «حزب الله» في الجنوب اللبناني مع انتشار الجيش الإسرائيلي في الجليل الأعلى، يضعف قدرات الطائرات الإسرائيلية على المساندة من ارتفاعات متوسطة ومنخفضة. يمكن اعتبار هذا التطور، أي الحد من قدرات القوات الجوية الإسرائيلية، منعطفا خطيرا في أية حرب مقبلة.

هل أدركت إسرائيل ذلك وقررت اللجوء إلى «الحرب الناعمة»؟

خبير عسكري استراتيجي