على وقع التباينات السياسية المستجدة من ملف النازحين وصولا الى آلية التعيينات، وما بينها من مواقف في ما خص معركة عرسال الكبرى التي حسم امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة مصيرها، على ان تكون منجزة قبل ظهوره التالي، برزت الى الواجهة حملة اسرائيلية مشبوهة في التوقيت عنوانها مصانع صواريخ ايرانية في لبنان لمصلحة حزب الله، ما دفع المجتمع الدولي الى التحرك في الكواليس سعيا للوصول الى حقيقة ما يجري.
وسط كل ذلك يبدو ان اسرائيل صدقت «الكذبة» التي اخترعتها وروجت لها عن وجود مصانع للصواريخ «البالستية» في لبنان يديرها حزب الله قائمة على عمق 50 مترا تحت الارض ومدعمة بطبقات حامية تجعلها عصية على الصواريخ «الخارقة» التي تملكها تل ابيب، في منطقتي جنوب الزهراني وشرق الهرمل، اذ اشارت مصادر لبنانية عليمة الى ان تل ابيب اجرت اتصالات بعدد من الدول الغربية طالبة منها التدخل للحصول على معلومات حول هذا الموضوع، وفعلا حركت تلك العواصم طواقمها الديبلوماسية في بيروت سعيا وراء الحصول على اجابات شافية في الوقت الذي تكثفت فيه عمليات الاقمار الصناعية فوق لبنان، كذلك طائرات استطلاع غربية، وسط عمليات مراجعة دقيقة لصور وخرائط سابقة لبعض المناطق بغية تحديد احداثيات المواقع المفترضة.
وما زاد من حيرة الاسرائيليين، ان جميع التقارير التي رفعت من بيروت حتى الساعة جاءت سلبية اذ ان ايا من الديبلوماسيين لم يحصل من اي مسؤول لبناني على معطيات حول هذا الملف لا نفيا ولا تأكيدا، حتى ان احد التقارير جزم أن الاجهزة الرسمية اللبنانية لا تملك اي معطيات، ومن بين هؤلاء رئيس اركان لجنة مراقبة الهدنة الجنرال «آرثر غون» الذي جال على عدد من القيادات العسكرية والامنية، بإيعاز من قيادته بعد ضغوط اسرائيلية، عارضا للاوضاع على الحدود الجنوبية و«امتعاض» تل ابيب من غض قوات الطوارئ الدولية الطرف عن ممارسات حزب الله قرب الحدود وكذلك استياؤها من التعاون القائم بين الجيش اللبناني والحزب بحسب زعمها، محاولا الوقوف عند صحة وجود مصنعين ايرانيين لحزب الله في لبنان.
وتكشف المعطيات الديبلوماسية ان تل ابيب انهت تحضيراتها واتصالاتها لتقديم شكوى ضد لبنان الى مجلس الامن الدولي، مستندة الى ان تخلف لبنان والامم المتحدة عن الوفاء بالتزاماتهما وفقا للقرار 1701 لعام 2006، من نشر كل طرف لـ 15000 جندي للسهر على تطبيقه، قد ادى الى اراحة حزب الله في حركته وسمح له بالحفاظ على هامش كبير في المناورة والحركة على كامل الاراضي اللبنانية، ومن ضمن ذلك انشاء مصنعين للصواريخ بتمويل ايراني، معتبرة ان ذلك يشكل خرقا فاضحا لمندرجات القرار 1701، رغم ان الوجود الجغرافي للمصنعين المزعومين هو خارج الولاية الجغرافية للقرار المذكور الذي نص على منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني، وهو الموقف نفسه الذي المح له رئيس اركان لجنة مراقبي الهدنة خلال لقاءاته.
المصادر الديبلوماسية التي رأت في الخطوة تصعيدا غير مسبوق وتقديم حجة لاسرائيل لمهاجمة لبنان، وسط الكلام التصعيدي والتقارير الاعلامية الاسرائيلية التي تتحدث عن قرب اندلاع الحرب الثالثة، خصوصا ان الاخيرة سبق ان ابلغت الجميع انها لن تقبل وجود سلاح نوعي كاسر للتوازن بيد حزب الله، لن تتوانى عن استخدام تلك الحجة لمهاجمة لبنان وفقا لحساباتها، ما يحتم على الدولة اللبنانية التي ستكون المتضرر الاول، المبادرة الى اطلاق حملة ديبلوماسية مضادة «تنفض يدها» فيها من اي معرفة او علم لوجود منشآت ايرانية على اراضيها، خصوصا ان اي خطوة اسرائيلية راهنا وفي ظل التصعيد الغربي ضد طهران ستحظى بدعم عواصم القرار واقله سكوت موسكو، ما سيجنبها دفع ثمن اي مواجهة مع اسرائيل، علما ان الاخيرة هددت بصراحة ووضوح ان مؤسسات ومنشآت الدولة اللبنانية ستكون هدفا لهجماتها،
اوساط سياسية مطلعة اكدت ان كل ما يجري تداوله بعيد عن ان يكون واقعيا، ذلك ان لا حاجة لاقامة هكذا مصانع في لبنان، فطريق الحزب من طهران الى بغداد ومنها الى دمشق فمخازن الحزب في لبنان باتت مؤمنة بالكامل، كما انه في اي مواجهة مقبلة فان مخازن الجيش السوري من مختلف انواع السلاح مفتوحة امام الحزب وفقا لما سبق وتعهد به الرئيس بشار الاسد، هذا من ناحية، اما من ناحية ثانية فان اقامة هكذا انواع من المصانع يحتاج الى منشآت ضخمة ومعدات وعمال لا يمكن اخفاؤهم، دون ان تنفي امكانية وجود معامل لتصنيع بعض الاجزاء مموهة ضمن مصانع اخرى لحمايتها.
فهل تتجرأ اسرائيل وتنقل المعركة من الميدان السياسي الى العسكري، في ظل شعورها ان قوة الحزب العسكرية والصاروخية تكبر والدولة اللبنانية عاجزة عن وضع حدّ لها؟ وهل تفجّر وجود المصانع المزعومة الوضع في الجنوب، وتكون الشرارة التي تشعل حرب تل ابيب الثالثة على لبنان؟