تواكب القيادة الروسية بقلق التصعيد العسكري المتفاقم في المنطقة التي تلفحها رياح العدوان الإسرائيلي على «غزة»، تاركة الأبواب مشرّعة على كل الاحتمالات.
لئن كانت موسكو منشغلة بالحرب التي تدور بينها وبين أوكرانيا، الّا انّ ذلك لم يمنعها من المحافظة على حضورها الوازن في الملفات الإقليمية والدولية الأخرى، في سياق سعيها إلى تكريس معادلة العالم المتعدد الأقطاب والمتحرّر من الأحادية الأميركية.
ثم إنّ موسكو تدرك جيداً انّ الملفات مترابطة استراتيجياً بنحو او بآخر، وإن كانت متباعدة جغرافياً، وبالتالي فهي حريصة على أن تحمي نفوذها ودورها، قدر الإمكان، في الساحات المنفصلة ـ المتصلة، ومن بينها ساحة الشرق الأوسط.
وكان واضحاً انّ سلاح «الفيتو» الروسي حضر بفعالية في مجلس الأمن خلال الأشهر الماضية، لمنع الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي من التحكّم بمسار المعركة الديبلوماسية التي تدور، الى جانب تلك العسكرية، لرسم مصير غزة ومستقبلها، وعبرها توازنات الإقليم.
ويوجد لبنان على الرادار الروسي في هذه المرحلة، من زاوية مواكبة مجريات الوضع على الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وسط مخاوف موسكو من ان تتدحرج المواجهة بين «حزب الله» وجيش الاحتلال الإسرائيلي الى حرب شاملة، تقلب المنطقة المترنحة رأساً على عقب.
وكان لافتاً في هذا الإطار اللقاء الطويل الذي عُقد أخيراً لنحو ساعتين بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والسفير اللبناني في موسكو شوقي بونصار، حيث تمّ البحث في تطورات الموقف على الحدود الجنوبية وجبهات الإقليم، وسط استمرار العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، فيما اوضحت وزارة الخارجية الروسية عبر بيان رسمي، انّه تمّت أثناء الاجتماع مناقشة مخاطر اندلاع حرب واسعة قد تهدّد الاستقرار والسلم الاقليمي والدولي، «وذلك في اطار التواصل والتشاور الدائمين بين الجانبين الروسي واللبناني، لدرء مخاطر نشوب مثل هذه الحرب التي قد تلحق الدمار الكبير بعدد من دول المنطقة ومنها لبنان».
وضمن الحراك الروسي، التقى بوغدانوف قبل أيام أيضاً سفيرة الكيان الإسرائيلي لدى موسكو سيمونا هالبرين، والتي تحاول، وفق معلومات مصادر ديبلوماسية، ان تستفيد من تولّي روسيا رئاسة مجلس الأمن في تموز الحالي، للطلب اليها ان تضغط على إيران و»حزب الله» لسحب قوات الحزب من المنطقة الحدودية في اتجاه شمال نهر الليطاني، «لأنّ القرار 1701 ينص على ذلك» وفق تفسير السفيرة له.
وكشفت المصادر الديبلوماسية لـ»الجمهورية»، انّ بوغدانوف ردّ على ضيفته الإسرائيلية بالتأكيد انّ روسيا حريصة على استقرار المنطقة «وهي لديها علاقة قوية مع إيران ولبنان، وصداقة مع «إسرائيل»، واذا كان مطلوباً منا ان نتكلم مع طهران وببروت، فهل انتم مستعدون كذلك لتنفيذ الجانب المتصل بكم من القرار 1701 لناحية الامتناع عن خرق السيادة اللبنانية والانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة؟».
هنا، اكتفت السفيرة بالقول إنّ «إسرائيل» مستعدة لوقف الأعمال العدوانية ضدّ لبنان، من دون ان تعطي اي تعهد صريح بتطبيق القرار 1701.
وأكثر من ذلك، انطوت لهجة السفيرة الإسرائيلية على نبرة تهديد للبنان، إذ أبلغت الى بوغدانوف انّه «في حال لم تتوقف هجمات «حزب الله» على الشمال حتى يتمكن المستوطنون من العودة إلى منازلهم، فإنّ الجيش الإسرائيلي سيتخذ الإجراءات المناسبة لضمان عودتهم وإبعاد «حزب الله» حتى ولو أدّى ذلك إلى توسعة نطاق الحرب».
في المقابل، تفيد المعلومات انّ السفير اللبناني بونصار أكّد لبوغدانوف انّ لبنان مستعد لتنفيذ القرار 1701. معرباً عن ثقته في أنّ «حزب الله» سيتقيّد به «شرط ان يتمّ تطبيقه بشكل متوازن، وان تلتزم تل أبيب بمندرجاته في ما يتعلق بوقف الخروقات للسيادة اللبنانية، والتي بلغت نحو 36 الف خرق منذ عام 2006، والانسحاب من الاراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».
وشدّد بونصار أمام المسؤول الروسي على أنّ لبنان يريد حلاً سياسياً عادلاً ومنصفاً يضمن له حماية امنه واستعادة حقوقه.
أما بوغدانوف، فقد أوضح، وفق المعلومات، أنّ موسكو تتفهم موقف لبنان الداعي إلى تطبيق الـ 1701 من الجانبين، وأمل في عدم خروج المواجهة بين «حزب الله» و»الجيش الاسرائيلي» عن قواعد اللعبة الحالية، داعياً الى ضبط النفس وتفادي استهداف المدنيين في الكيان الاسرائيلي، لئلا يُعطى نتنياهو المتهور ذريعة لتوسيع الحرب. فيما لفت بونصار انتباهه إلى انّ «إسرائيل» تقتل المدنيين في لبنان ولا تحصر المعركة ضمن الخط الامامي، بل انّ اعتداءاتها تتمدّد الى خارجه في أحيان كثيرة.
واشار بوغدانوف الى انّ روسيا تتفهم جداً حق لبنان في الدفاع عن نفسه، ولكنها تنصح بأن تبقى الردود محصورة في المواقع العسكرية الإسرائيلية وعدم الوقوع في فخ الاستفزازات.
واتهم بوغدانوف واشنطن بأنّها هي التي تمنع التوصل الى وقف لإطلاق النار في غزة، معتبراً انّها تستمر في تغطية نتنياهو في حربه سعياً الى تحقيق أجندة اميركية غير نزيهة.