Site icon IMLebanon

إقرار إسرائيلي باغتيال مقاوم من حركة أمل عام 1994

   

سياسة الاغتيالات لدى الاحتلال الإسرائيلي وسيلة قتالية، يلجأ إليها لتمتين وجوده وفرض إرادته وتصفية المقاومين له ومحاولة ردعهم. خبر اللبنانيون جيداً هذه السياسة وما زالوا، ومنها ما يرتبط بما يتعدى الردع وإعاقة العمل المقاوم، إلى ما يؤدي إلى الفتنة والاحتراب الداخلي، بين جهات المقاومة نفسها.

بعد سنوات طويلة، وضمن استهدافات إسرائيلية، يتضح أنها مرتبطة بموقف إسرائيل و«معاناتها» من المقومات العسكرية التي باتت لدى حزب الله في لبنان، يأتي تقرير جديد للجيش الإسرائيلي، يكشف فيه مسؤوليته عن واحدة من عمليات الاغتيال التي نفذها ضد المقاومين، وتحديداً ضد كادر مقاوم من حركة أمل، كان ينشط في تشكيلاتها في تسعينيات القرن الماضي، في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من مدينة صور.

الشهيد هو عبد الرضا سليمان عبد الرضا، من بلدة العامرية، الواقعة على الخط الساحلي إلى الجنوب من مدينة صور. كادر في صفوف المقاومة، من المجاهدين الأوائل في تشكيلات حركة أمل ضد الاحتلال.

في تقرير الجيش الإسرائيلي المنشور قبل أيام في صحيفة «إسرائيل اليوم»، عبر مراسلها للشؤون العسكرية يؤاف ليمور، تأكيد على أن قرار «تصفية» عبد الرضا جاء بعد دراسة مستفيضة من قبل الاستخبارات العسكرية وكبار المسؤولين الأمنيين في حينه، خلصت إلى ضرورة «التخلص» منه ومنعه من مواصلة الأضرار التي يتسبب فيها، وتحديداً نشاطه في الدعم اللوجستي وتخزين الأسلحة والعبوات، تمهيداً لتنفيذ عمليات ضد المواقع والدوريات الإسرائيلية.

«الضرر»، كما يرد في التقرير، لم يكن يتعلق فقط بتمكين مجموعات حركة أمل التي كانت تنشط في حينه ضد الاحتلال في منطقة جنوب صور، بل امتد نشاط الشهيد اللوجستي إلى دعم كل تشكيلات المقاومة على اختلافها، ومن بينها أيضا تشكيلات تابعة لحزب الله.

يؤكد تقرير الجيش الإسرائيلي أن الكشف عن العملية والإعلان عن المسؤولية، يأتيان بعد 24 عاماً من تنفيذها في 12 أيار عام ١٩٩٤، ليُنهيا غموضاً اكتنف الاغتيال طويلاً، واتهامات في أعقابه، في أكثر من اتجاه.

اغتيال عبد الرضا جاء تنفيذاً لسياسة إسرائيلية في حينه، تقضي بضرورة تفعيل الانشطة العملياتية لقوات الاحتلال خارج منطقة الحزام الأمني باتجاه الشمال، والعمل على دفع المقاومين إلى التموضع الدفاعي، من خلال استهدافهم في قواعدهم أو في بيوتهم.

ومن بين الذين برزوا على طاولة قرار «التصفية» لدى الاستخبارات الإسرائيلية، كان اسم الشهيد عبد الرضا بوصفه «مصدر أزمة وقلق حقيقي» لإسرائيل. القرار صدر عام 1993، و«جهد مشترك» هو الاسم الذي اختير لعملية الاغتيال، مع إيكالها في البداية إلى الكوماندوس البحري، الشييطت 13. المعلومات الاستخبارية كانت «ناجحة جداً»، وجرى استخدام العملاء في المنطقة للجمع الاستخباري: عن القرية وحول المنزل الذي يقيم فيه ومحطيه وتفاصيله. المنزل نفسه كان بسيطاً ويتألف من طابق واحد ويبعد عن الشاطئ 400 متر. وعلى هذه المعلومات وغيرها، بدأت الشييطت الإعداد لعملية الاغتيال.

تعقدت الأمور لاحقاً، كما يرد في التقرير، وتقرر في الجيش الإسرائيلي، لأسباب لم تتضح إلى الآن، سحب العملية من الشييطت ونقلها الى لواء المظليين، رغم أنها عادت لاحقاً الى الكوماندوس البحري، إذ لم ينجح المظليون في وضع خطة عملياتية ناجعة، خصوصاً أن الحركة الأرضية من الحزام الأمني الى الهدف تفرض على القوة البقاء ليلة واحدة «داخل منطقة العدو»، الأمر الذي كان يصعّب العملية، ويرفع مستوى خطورتها وتعقيداتها.

 

لم يقتصر عمله على تمكين «أمل» من قتال العدو، بل امتد نشاطه إلى دعم كل تشكيلات المقاومة

 

جاء قرار «التصفية» عبر تفجير عبوات. في البداية ذهب القرار الى زرع عبوة في سيارته، أو على مدخل المنزل، لكن تجنباً للفشل، تقرر لصق عبوات ليلاً على الجدار حيث تقع الغرفة التي ينام فيها، مع التأكد من أنه فعلاً في المنزل، وأنه لحظة التفجير سيكون نائماً على سريره الملاصق للجدار الخارجي. كانت الليلة مظلمة، والمسافة من الشاطئ الى المنزل قصيرة نسبياً. وضعت العبوات بعد تسلل من البحر وسيراً على الأقدام، إلى أن فُجِّرَت العبوتان بعد التأكد من وجود عبد الرضا في المنزل، وفي ساعة متأخرة تشير الى وجوده على سريره. لاحقاً، بعد وصول القوة إلى إسرائيل، وصلت الاخبار من لبنان تؤكد أن الفتى ذي الشعر الأحمر، البالغ من العمر 22 عاماً، قتل في الانفجار وأصيب شقيقه.

قبل صدور قرار الكشف عن الاغتيال، يذكر مُعِدّ التقرير العبري، أن الغرف المغلقة لدى الاستخبارات العسكرية شهدت سجالات وانقسامات، بين معارض يشدد على ضرورة تجنّب كشف المسؤولية وتبعاتها، ومؤيد على خلفية ضرورة إفهام حزب الله أن إسرائيل قادرة على الوصول وتصفية من تشاء من أعدائها، رغم الإدراك المسبق باختلاف الظروف والإمكانات المتقابلة للجانبين، بين الأمس واليوم.

قرار الكشف عن العملية صدر، وأهدافه ردعية تتصل بلبنان وتهديدات المقاومة فيه، وتحديداً ما يتعلق بالتعاظم العسكري النوعي لحزب الله، مع الرهان ـــ بمعنى الأمل ـــ على أن يدفع التقرير (وما يرِد فيه من تأكيد لقدرة إسرائيل العملياتية، إلى جانب أساليب و«فذلكات» أخرى تصدر من تل أبيب في هذه المرحلة) الحزب إلى الانكفاء والتموضع الدفاعي. الثابت أيضاً، أن التقرير العبري يكشف، بمعنى التأكيد، أن الشهيد عبد الرضا قضى مقاوماً، بعد أن عاش مقاوماً، في مسيرة تحرير الأرض من الاحتلال ومنع إدامته.