بالرغم من مرور ثمانية أيام على الحرب الدائرة في غزّة بين حركة «حماس» وبين الجيش الاسرائيلي، والذي استطاعت «الحركة» خلالها أن تقتل 1400 عسكري من جيش الاحتلال وتأسر 200 إسرائيلي من 40 مستوطنة من المستوطنات التي استمر الاسرائيليون أكثر من 50 سنة في بنائها معتبرين أنّ هذه المستوطنات سوف تكون خط الدفاع الأول عن المدن الفلسطينية المحتلة كحيفا ويافا وتل أبيب وغيرها.
خلال ساعات، وفي «يوم الغفران» أقدمت مجموعة من 1200 عنصر من حركة «حماس» على عملية عسكرية لا مثيل لها في التاريخ، بحراً وجواً وبرّاً، فاقتحمت المستعمرات الأربعين بسهولة تامّة.
بالعودة الى «الجيش الذي لا يُقهر» والذي كانت إسرائيل تفاخر بأنه هَزَمَ في خمسة أيام الجيوش العربية، واحتل صحراء سيناء والضفة الغربية والجولان، وانتصر على هذه الجيوش العربية كلها.
هذه الفرحة لم تدم طويلاً لأنّ العرب وأعني هنا مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت والمغرب والعراق جمعوا جيشاً وقاموا في «يوم الغفران» في 6 أكتوبر/ تشرين الأول بعملية عسكرية ناجحة.
أولاً: الجيش المصري اجتاز «خط بارليف» ودمّره والذي كان يعتبر أهم دفاع عن إسرائيل وأنه من المستحيل أن يستطيع الجيش المصري عبوره، ولولا التهديد الأميركي بالقنبلة النووية لاحتل الجيش المصري فلسطين كلها، ولكنه اضطر الى التوقف حيث أعلن الرئيس المصري أنور السادات في خطاب له وبصراحة: «أنا لا أستطيع أن أحارب أميركا».
ثانياً: الجيش السوري حرّر قسماً من الجولان ووصلت قواته الى نهر الأردن. ولكن التدخل الأميركي أجبر الجيش السوري على التراجع، ولكن الجيش العراقي دخل المعركة وصدّ هجوم الجيش الاسرائيلي الذي كان قد قام بعملية عسكرية ملتفاً على الجبهة وجاء من ناحية درعا من تلك المنطقة، وهدفه احتلال دمشق، ولكن تدخل الجيش العراقي منعه وأوقفه.
في 6 أكتوبر وفي «عيد الغفران»، قامت مجموعة من أبطال عناصر حركة «حماس» بإمكانيات محدودة بأهم عملية عسكرية استطاعوا خلالها أن يهزموا الجيش الاسرائيلي بالرغم، كما قلنا، من أنّ الجيش الاسرائيلي وبمساعدة الجيش الاميركي الذي أرسل أسطولين بحريين ومجموعة من الطائرات الاميركية الحديثة جداً مع قنابل تستعمل لأوّل مرّة… وكل هذا من أجل احتلال غزّة المدينة التي لا تزيد مساحتها على 340 كيلومتراً، وبالرغم من القصف المتواصل من الجو والبحر ومن محيط غزة، لا يزال أهل غزة يتصدّون للعدوان الغاشم بلحومهم الحيّة.
ولقّنوا إسرائيل درساً هو أنه لا يموت حق وراءه مُطالب، وأنّ الفلسطينيين لن يتنازلوا عن أرضهم مهما طال الزمن، ولا بدّ أن نتوقف عند بعض الملاحظات التي أسفرت عنها عملية «طوفان الأقصى»:
أولاً: لقد فشل وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن في انتزاع إدانة صريحة لما قامت به «حماس» من الدول العربية خلال جولته.
ثانياً: لم ينجح القصف العشوائي الذي قامت به إسرائيل على غزة، واستهداف الأطفال والنساء والمسنّين من تحقيق أي مكسب سياسي أو عسكري حتى الآن.
ثالثاً: لقد فشل الأميركيون في تمرير خطة تهجير الغزاويين بغية تحقيق مكسب انتخابي لجو بايدن والديموقراطيين.
رابعاً: الحصيلة المدنية لشهداء فلسطين باتت ثقيلة جداً لا يتقبلها ولن يتقبلها الرأي العام بسهولة.
خامساً: التضامن الشعبي الواسع في العواصم العربية والإقليمية والدولية مع «حماس» كان مفاجئاً للأوساط الاسرائيلية والأميركية والغربية أيضاً.
سادساً: لقد ظهر بوضوح تأييد الحراك الشعبي المصري للمقاومة، ما أحدث تغييراً في المزاج الشعبي.
سابعاً: لقد أسفرت العملية عن وقف التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وهذه ضربة بل صفعة قوية لأميركا.
ثامناً: لا تزال «حماس» تُدير المعركة بهدوء وحنكة وحكمة بارعة.
تاسعاً: مع القصف المستمر على غزة يتضاعف الوعي العربي بمركزية القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم.
عاشراً: لا يزال العدو الاسرائيلي متردّداً في اقتحام غزة برّياً، لأنه بات يحسب ألف حساب للخسائر الهائلة التي سيُمنى بها بالتأكيد، ناهيك عن التفاف الفلسطينيين حول «حماس» في ما يشبه الإجماع.
وأخيراً أقول: إنّ نتائج بهذه الأهميّة، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ المقاومة الفلسطينية نجحت من خلال عملية «طوفان الأقصى» أن تثبت أنّ غزّة استطاعت بالفعل إسقاط نظرية «الجيش الاسرائيلي الذي لا يُقهر».