أسقطت الغارة الإسرائيلية على محيط مدينة بعلبك ما اصطُلح على تسميته خطأً بقواعد الإشتباك ما بين حزب الله والعدو الإسرائيلي. الهدف من استخدام ذلك المصطلح في لبنان كان من قبيل إقناع اللبنانيين أن ما يجري من أنشطة عسكرية عابرة للحدود ــــ ومن ضمنها التهديدات الإعلامية التي تطلق من القيادتين العسكرية والسياسية للعدو أو من قبل حزب الله ــــ هو دائماً تحت السيطرة وغير قابل للتوسع، بل هو من مستلزمات المشهد الإقليمي الذي تتشاركه طهران عبر حزب الله وإسرائيل بغطاء أميركي.
لقد سبق الهجوم الإسرائيلي على محيط بعلبك تصريحات واضحة للعدو بعدم ربط وقف إطلاق النار في غزة بتوقف العمليات في الجنوب، بل كان هناك أكثر من تأكيد على الإستمرار بالهجمات تحت عنوان إبعاد حزب الله عن الحدود. بالمقابل، فإن الإلتزام الذي أعلنه حزب الله بحصر العمليات ضمن نطاق الجنوب وعدم توريط لبنان في ما ليس له قدرة على تحمل تبعاته قد أثبت عدم واقعيته. وفي السياق عينه فإن المبادرة التي بدت في الأسبوع الأول للإشتباكات بيد الحزب قد انتقلت الى العدو الإسرائيلي الذي يُظهر قدرة على توسيع دائرة الأهداف في غياب معادلة الردع التي سقطت مع انكفاء إيران وإعلان إنفصالها عما تقوم به أذرعها.
قد يكون من المنطقي التساؤل ما إذا كانت الغارة على محيط مدينة بعلبك التي استهدفت إحدى منشآت حزب الله التي تبعد 20 كلم تقريباً عن الحدود اللبنانية السورية تقع في سياق المواجهة مع العدو الإسرائيلي في الجنوب، أم أنها جزء من الإستهدافات الإسرائيلية شبه اليومية لمواقع تابعة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني في الداخل السوري؟ أن وصول الهجمات الإسرائيلية إلى العمق اللبناني بما يتجاوز منطقة عمليات قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ونطاق القرار 1701 يعني أن الإستهداف الجديد هو خارج مهمة الموفدين الدوليين الذين يحاولون ترميم القرار الدولي، وهو مقدمة لاستنساخ الوضع القائم في سوريا حيث تتوالى الضربات الإسرائيلية في العمق السوري بما يتجاوز مهمة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الإشتباك بين سوريا وإسرائيل «أندوف» (UNDOF) العاملة في الجولان المحتل، ونقله إلى لبنان. وقد يصبح الهجوم على محيط بعلبك مقدمة لتكرار الهجمات بشكل يومي على وادي البقاع والتعامل مع المناطق على طرفيّ الحدود اللبنانية السورية كمنطقة عمليات واحدة لا سيما أنها خاضعة للمعادلة الأمنية نفسها.
يُلقي الهجوم الإسرائيلي على ضواحي بعلبك عبئاً إضافياً على الحكومة اللبنانية التي مارست سياسة الهروب الى الأمام منذ اندلاع الإشتباكات في الجنوب تحت عنوان عدم الخوض في أي نقاشات قبل وقف إطلاق النار في غزة، فهل يكفي الإختباء خلف الحرب في غزة لتبرير كل هذا التخلي عن المسؤولية الوطنية. لقد أضحى عنوان مساندة غزة الذي رفعه حزب الله عنواناً فضفاضاً لا يمكن تحميله لغزة أمام هذا الدمار الهائل وأعداد الشهداء وأمام ضبابية الأهداف التي تحتفظ طهران وحدها بالحق في سبر أغوارها.
لقد تماهت الحكومتان اللبنانية والسورية في التخلي عن سيادتهما وعن حقهما الحصري في الدفاع عن حدودهما الدولية وعن التمسك بالإستقلال السياسي للدولة قبل أن تتماهى حدودهما تحت ضربات العدو الإسرائيلي. وربما يكون في قصف حزب الله للجولان المحتل بـ60 صاروخاً كردٍ على الضربات في محيط بعلبك أكثر من رسالة للتأكيد على وحدة الساحات التي فرضتها طهران على الحدود اللبنانية السورية في ظلّ غياب كلي لحكومتيّ دمشق وبيروت. أمام كل هذا التحلل السياسي والوطني وهذه الإستباحة للحدود اللبنانية السورية كيف يمكن لدمشق أن تعتبر أبراج المراقبة الحدودية اللبنانية تهديداً للأمن القومي السوري!! الحقيقة المؤلمة والقاتلة أن على جانبيّ الحدود دولتين مارقتين تفصل بينهما أبراج مراقبة …..
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات