يبدو انّ حسابات «بيدر» رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالنسبة للمواجهات العسكرية القائمة في جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، لم تطابق حسابات «بيدر» المواجهات، برغم حجم الردّ العسكري العنيف على عمليات المقاومة، وبرغم التهديدات اليومية لوزير الحرب يوآف غالانت وبعض صقور الكيان بشن عملية عسكرية كبيرة وبتدمير لبنان، ذلك انّ الإعلام العبري يعكس الصورة الحقيقية لخسائر الاحتلال في جبهة الجنوب، عبر المعلومات والصور المتاحة والمسموح بنشرها من قِبل جيش الاحتلال، بالتوازي مع عرضها صوراً ومقاطع فيديو للغارات التي تشنّها الطائرات الحربية على اهداف في قرى الجنوب، تقول انّها للمقاومة، وذلك من ضمن الحرب الإعلامية والنفسية التي تُخاض من جانبي المقاومة والاحتلال إلى جانب الحرب العسكرية.
في معلومات الإعلام العبري من خلال إحصاء دقيق للأضرار في 9 مستعمرات حدودية فقط، انّ عدد المنازل التي أُصيبت منذ بدء الحرب، 512 منزلاً بين تهديم كلّي او تضرّر جزئي او كبير. هذا عدا المعلومات التي تنشرها المستشفيات والإعلام العبري عن عدد الإصابات بين العسكريين والمدنيين، والدبابات والآليات العسكرية التي تستهدفها المقاومة ويقلّل منها جيش الاحتلال، وعدا تجهيزات الرصد والمراقبة والتجسس التي تستهدفها ألمقاومة.
في ميزان الربح والخسارة الميدانية قد تبدو الكفّة متساوية على ضفتي الجبهة اومائلة قليلاً لهذه الجهة او تلك، لكن في ميزان الحساب السياسي والعسكري، فإنّ الكيان الاسرائيلي يعاني ازمة حادّة على الجبهة اللبنانية، ما اضطره الى تخفيض عدد قواته العسكرية في المواقع المتقدّمة نتيجة الخسائر التي تلحق بها، والاكتفاء بوجود قوات الاحتياط لحماية المستعمرات من اي عملية تسلّل كما يقول الإعلام العبري. الذي كشف ايضاً «انّ جنود الاحتياط في القوات المحلية للمستوطنات يعانون من صعوبات عقلية، حيث أنّهم بعيدون عن عائلاتهم المشتتة ودائماً في حالة استنفار ويواجهون خطر صواريخ «حزب الله» الموجّهة طوال الوقت». الامر الذي يعكس حالة الإحباط النفسي لدى الجنود وكذلك لدى المستوطنين الذين تنقل وسائل الإعلام شكواهم اليومية من الضرر الكبير الذي لحق بهم مادياً ونفسياً.
هذه الحسابات الاسرائيلية المتناقضة بين خسائر «البيدر والحقل» تدفع قيادة الكيان الى إعادة النظر بتوجّهاتها العسكرية وطريقة المواجهة، بحيث باتت تكتفي بتكثيف القصف والغارات الجوية على قرى الحدّ الحدودي الجنوبي واستهداف بعض قيادات المقاومة من دون توسيع نطاق الحرب بشكل اكبر، بينما المقاومة تتدرّج في ردّها المدروس القوي والمؤثر على المواقع والثكنات وتجمعات جيش الاحتلال، واستخدام اسلحة جديدة بطريقة مدروسة ايضاً، منها الصواريخ الثقيلة التي لم تكن تُستخدم قبل المواجهات الاخيرة، ومن دون توسيع نطاق الحرب.
كل هذه الوقائع معطوفة على الضغط الاميركي والغربي عموماً على الكيان الاسرائيلي لمنعه من توسيع الحرب، كما يجري مع لبنان ايضاً، تجعل إيقاع المواجهات في الجنوب مضبوطة على إيقاع الجهد الدبلوماسي القائم لتبريد الجبهة، وعلى إيقاع مفاوضات تبادل الاسرى مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، والتي قد تمهّد لوقف اطلاق نار مؤقت او شبه دائم، وإدخال المساعدات الطبية والغذائية، اذا وافقت اسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية على الصيغة المطروحة.
لكن بما انّ قيادة الحرب في اسرائيل مأزومة عسكرياً ومعنوياً على جبهتي غزة ولبنان، وهي تسحب تباعاً قواتها المقاتلة وفرق الهندسة من غزة وجبهة لبنان، فقد تحاول التفلّت من الضغوط عبر عمليات عسكرية محدودة لكن قوية، بما يجعل المفاوضات تحت النار عرضةً للسقوط، بحيث «لا يأكل اهالي الأسرى العنب بتحريرهم ولا يموت ناطور جيش الاحتلال» المحتاج الى جرعات كبيرة من المعنويات و«الإنجازات» الميدانية صعبة التحقيق، لكنها قد تفيد صورة الجيش المُحبط وشبه المنهار من تتالي الفشل في تحقيق اهداف الحرب التي حدّدتها قيادته المجنونة.