رغم مرور ايام على انطلاق معارك القلمون، لم يصدر حتى الساعة اي تعليق رسمي او عسكري اسرائيلي على مجريات المعركة ومآلاتها، في ظل اكتفاء وسائل الاعلام الاسرائيلية بنقل ما يتوافر على وسائل التواصل الاجتماعي فيما خص المسلحين، في مقابل ايراد ما ينشره اعلام حزب الله وبخاصة المنار، ما اوقعه في سلسلة تناقضات ومغالطات،وسط الحديث المتزايد عن تضعضع في القرار ازاء التعامل مع التطورات الميدانية السورية، والرسائل الموجهة في اكثر من اتجاه عبر الطلعات الجوية المستمرة والتسريبات عن غارات من هنا والقاء سلاح ومساعدات من هناك.
يرى الخبراء الاسرائيليون بحسب تقاريرهم ان استعادة حزب الله السيطرة على المنافذ البرية والمسالك الجبلية الرابطة بين الداخل السوري ومنطقة البقاع، ستعطي الحزب حرية حركة على الصعيد نقل السلاح والمسلحين، خاصة اثناء حرب 2006، وهي طالما كانت كذلك الى ما قبل اندلاع الثورة السورية، حيث تنقل وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر عسكرية أن سلاح الجو يقوم بعمليات مراقبة على مدار الساعة لمنطقة العمليات العسكرية في القلمون الفاصلة بين سوريا ولبنان، في ظل المعلومات الاستخباراتية التي تنقلها التقارير الاسرائيلية عن نقل حزب الله جزء كبير من قواته ومخزونه الصاروخي من جنوب لبنان إلى قواعد في جبال تلك المنطقة، والتي تحولت إلى مقاطعة عسكرية يسيطر عليها، مشيرة الى أن الجيش الإسرائيلي اوصل رسائل واضحة، عبر نفس القنوات السابقة التي تدخلت ابان المعارك في الجنوب، إلى طهران ودمشق وحزب الله بأنه سيدمر تلك القواعد، وأن ذلك يعني أن حربا بين إسرائيل وإيران تدور على الأراضي السورية، وأنها قد تتسع، معتبرة إتساع سيطرة الحزب الله والنفوذ الإيراني إلى جبال القلمون، بمثابة فتح جبهة ثالثة تضاف إلى جنوب لبنان وهضبة الجولان.
ورغم أن الموقف الإسرائيلي الرسمي يتمثل بمراقبة تطور الاوضاع على الجبهة السورية، يتحدث المعلقون الاسرائيليون بشكل خجول عن «تدخل ما»، خاصة مع وصول المواجهات الى مناطق حساسة كما في الجولان، الخاضعة لسلطة المعارضة التي تتقدمها «جبهة النصرة». وترى الاستخبارات الإسرائيلية أن الجيش السوري يحاول بشراسة صد هجمات المعارضة مركزا حالياً على ثلاث جبهات: الدفاع عن اللاذقية وعن دمشق وسلسلة جبال القلمون على الحدود مع لبنان والتي تضمن التواصل مع كل من الساحل السوري ولبنان.
ويكشف اصحاب نظرية التدخل بحسب التقارير الاسرائيلية، ان الاستراتيجية المتبعة حتى الساعة شمالا ما زالت على حالها رغم التطورات الدراماتيكية مع الاكتفاء باستخدام القوة في حالات تجاوز الخطوط الحمراء، رغم اقرار الجميع بان تلك المقاربة والترتيبات ستتغير عاجلا ام آجلا، حيث يدلل المعلق العسكري للقناة العاشرة ألون بن دافيد على ذلك، بأن أنظار الجيش الإسرائيلي تتجه حالياً إلى قرية الخضر الدرزية وسط الخشية من تداعيات سقوطها بأيدي المعارضة واحتمال حدوث مجزرة قد تثير الطائفة الدرزية في إسرائيل، وتدفع ببعض الدروز إلى محاولة التسلل من أجل تقديم العون لأخوتهم هناك.
امر ترافق مع الجدل الدائر حول قرار الجيش الإسرائيلي بحل «الكتيبة الدرزية»، حيث قال ناطق عسكري إن رئيس هيئة أركان الجيش، الجنرال غادي إيزنكوت، قرر «حل الكتيبة الدرزية، نظراً لرغبة أنباء الطائفة الدرزية الانخراط في وحدات الجيش المختلفة»، مضيفا أن «الجنود الدروز قادرون على أداء الخدمة في وحدات مختلفة دون أي قيد»، بحسب الإذاعة الإسرائيلية، مؤكدا أن القرار «اتخذ بعد مشاورات مع كبار الضباط الدروز ووجهاء الطائفة الدرزية»، رغم اعتراض نائب وزير التعاون الإقليمي أيوب قرا، الدرزي الاصل، الذي طالب بتعليق تنفيذ القرار، مضيفا أنه «يجب عدم حل الكتيبة، نظراً للتراث، ولعدة أسباب أخرى».
وفي هذا الاطار كشف معلق الشؤون العسكرية ألون بن دافيد في مقال نشرته صحيفة «معاريف»، إن الجيش الإسرائيلي يعمل حالياً على إعداد بنك أهداف خاصّ بالجماعات الجهادية لضربها مستعينًا بالمعلومات الاستخبارية التي قدمتها له أجهزة الاستخبارات المختلفة، بعدما تأكد من استحالة بقاء نظام الأسد،رغم الدعم الإيراني وحزب الله، لافتا إلى وجود مؤشرات قوية تدل على تفكك القاعدة التي يستند عليها نظام الأسد واقتراب سقوطه، أبرزها حركة النزوح الكبيرة للعائلات العلوية من العاصمة دمشق باتجاه الساحل السوري فضلاً على أن عائلة مخلوف، التي تنتمي إليها والدة بشار الأسد قد غادرت سوريا، في مؤشر واضح على انعدام ثقتها بمستقبل الحكم العلوي في هذه الدولة.
رؤية تتطابق مع ما ادلى به قرا، في أول تصريح رسمي له معتبرا انه لا يمكن لإسرائيل أن تسلم بتواجد الجهاديين على حدودها، «ففي حال لم نقم بضربهم فإنهم لن يترددوا في إطلاق صواريخ الكاتيوشا علينا». وخلال إلقائه محاضرة في «منتدى الثقافة» في مدينة «بئر السبع» قال، وهو خدم ضابطا برتبة رائد في لواء الصفوة «جفعاتي»، إنه لا يجدر بإسرائيل أن تسمح ببقاء الجهاديين، مشددا على أنهم «لا يستهدفون إسرائيل حاليا لأنهم معنيون بإسقاط الأسد، وبعد أن ينتهوا من هذه المهمة فإن أول ما سيقدمون عليه هو توجيه نيرانهم ضد إسرائيل».، وأردف «في حال لم نقم بعملية عسكرية خلال الأيام أو الأسابيع القريبة فإننا سنجد أنفسنا تحت غطاء من صليات الكاتيوشا التي لن تتوقف»، مستهجنا السماح ببقاء الجهاديين في منطقة القنيطرة والمناطق المتاخمة لمستوطنات هضبة الجولان، متوقعا أن تقدم إسرائيل على عمل عسكري ضد قوى المعارضة السورية في منطقة الحدود، مشددا على أن دوائر صنع القرار ومحافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب تدرك أن هذا ما يتوجب القيام به.
وفي السياق، قال الباحث في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي أودي عيلام، إنه بات في حكم المؤكد أن على إسرائيل أن تعمل كل ما في وسعها من أجل الإبقاء على نظام الأسد،مشددا على أن إسرائيل ستكون الهدف الأول للحركات الجهادية التي تقاتل الأسد تماما بعد إسقاط حكمه، مشددا على ضرورة أن تتحرك إسرائيل من أجل عدم السماح بسقوط النظام. فعلى الرغم من أن هناك مصلحة كبيرة وواضحة لكل من حزب الله وإيران في بقاء نظام الأسد، فإن هذا لا يعني بالضرورة المس بمصالح إسرائيل، مشددا على أن سيطرة الإسلاميين السنة على سوريا أخطر بكثير من بقاء نظام بدعم إيران وحزب الله.
كما يقدر الخبراء ثمة احتمالات لعدم صمت طهران على الاستراتيجيات الاسرائيلية الجديدة، وبخاصة أنها تستهدفت قواعد تشكل كنزا استراتيجيا إيرانيا في سوريا، خاصة في ظل زهوة الانتصار الكبير الذي حققه محور الممانعة في حرب القلمون، بحسب تعبير مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي اكبر ولايتي من بيروت، وهنا بيت القصيد الاسرائيلي.