IMLebanon

أكثر من 80 مليار دولار أميركي خسائر الاقتصاد «الإسرائيلي» 

 

 

 

يمكن الجزم أن الاقتصاد «الإسرائيلي» هو أحد أكبر ضحايا العدوان على غزّة وعلى لبنان. فقد تلقّى في الأسابيع الأولى لهجوم السابع من تشرين الأول 2023 أكبر ضربة مع معاناة آلاف الشركات «الإسرائيلية من خسارة قسم كبير من اليد العاملة، وذلك بُعيد طلب هذه اليد العاملة إلى الاحتياط، وانسحبت عشرات مليارات الدولارات من الاقتصاد، وتقلص اقتصاد الدولة العبرية بنسبة كبيرة.

 

وبحسب معطيات الـ OECD، أدت الحرب في غزّة إلى انكماش الاقتصاد «الإسرائيلي» بنسبة 4.1٪ في الربع الأخير من العام 2023، مع خسائر في القطاع السياحي والتكنولوجي والخدماتي بالدرجة الأولى. واستمرت عملية الانكماش في الربعيّن الأول والثاني من هذا العام، ولو بوتيرة أبطأ من الربع الأخير من العام 2023. وترافق هذا الانكماش مع زيادة هائلة في الإنفاق العسكري، نتيجة توسعها في الحرب بمعدّل يومي يفوق الـ 250 مليون دولار أميركي، مع استخدام «إسرائيل» لأحدث التقنيات العسكرية المكلفة، خصوصا في عملياتها الأخيرة في لبنان. من جهته، رجّح البنك الدولي أن الإنفاق العسكري «الإسرائيلي» بلغ ما بين 22.5 و32.5 مليار دولار أميركي على أساس سنوي.

 

وبحسب التوقّعات، وفي حال استمرار وتيرة المعارك على ما هي عليه الآن، فإن الخسائر الاقتصادية على الدولة العبرية ستفوق الـ 200 مليار دولار أميركي في نهاية العام 2025 (أو ما يوازي الـ 40% من الناتج المحلّي الإجمالي)، منها 100 مليار دولار خسائر مباشرة على الخزينة (أكثر من 80 مليار دولار أميركي حتى الساعة).

 

أضف إلى ذلك، فإن التوسّع في الصراع أدّى إلى خفض تصنيف الدولة العبرية مرتين هذا العام. وقامت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» بتخفيض تصنيف «إسرائيل» الائتماني من A2 إلى Baa، مُبرّرة هذا التخفيض بزيادة الصراع وتوسّعه وعدم وجود «استراتيجية خروج إسرائيلية». وبحسب الوكالة، هناك مخاوف من مخاطر سياسية داخلية، بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسية، مع تداعيات سلبية على الملاءة للدولة العبرية على الأمدين القريب والبعيد. هذا الأمر سيؤدّي حكما إلى رفع كلفة الإقتراض على «إسرائيل»، في وقت تحتاج فيه إلى مليارات الدولارات لتمويل تكاليف الحرب، بينما يرى المستثمرون المزيد من المخاطر للاستثمار في البلاد، وهو ما يمّنعهم من البقاء في السوق «الإسرائيلي».

 

أيضا، وفي الاتجاه نفسه أدّت عملية تفجير «البايجرز» التي قام بها العدو الاسرائيلي في لبنان، والتي سقط بسببها آلاف الضحايا، إلى ضرب الثقة الدولية بالدولة العبرية، خصوصا من باب استيراد المعدّات التكنولوجية من الدولة العبرية، باعتبار أن لا ثقة بأنه لا توجد أجهزة تنصّت أو متفجّرات في السلع المستوردة من «إسرائيل»، وهذا الأمر سيتطلّب الكثير من الوقت لتخطّيه. الجدير ذكره أن 50% من صادرات «إسرائيل» هي منتجات تكنولوجية (أي 50% من 166 مليار دولار أميركي حجم الصادرات في العام 2022). وتقول صحيفة «هآريتس الإسرائيلية» ان «إسرائيل» انخرطت في عمليات تجسّس من خلال برنامج «بيجاسوس»، وهو برنامج تجسس طوّرته شركة الأسلحة الإلكترونية «الإسرائيلية» NSO Group، وهو مصمّم ليُثبّت سراً عن بُعد في الهواتف المحمولة، التي تعمل بنظامي التشغيل iOS وAndroid، وهو ما أثار حفيظة العديد من الحكومات والدول، بحكم أن «إسرائيل» ساعدت بضع حكومات في التجسّس بشكل منتظم على الصحافيين والمحامين والمعارضين السياسيين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان.

 

لبنانيا، تخطّت الخسائر المباشرة وغير المباشرة الـ 10 مليارات دولار أميركي منذ بداية الصراع. لكن وبغض النظر عن المقارنة بين الاقتصادين اللبناني (17 مليار دولار أميركي) و «الإسرائيلي» (500 مليار دولار أميركي)، فإن الخسائر على الاقتصاد اللبناني ضربت هيكليته الاجتماعية بشكل أكبر، وهو الذي يعاني أزمة اقتصادية وسياسية منذ أكثر من 4 سنوات. كمّا أن الواقع السياسي اللبناني منع وزاد من تعقيدات إيجاد حلول للأزمة مع غياب القرار السياسي والفراغ المؤسساتي الذي تعيشه المؤسسات الدستورية.

 

وفي حال نفّذ العدو الإسرائيلي تهديداته بالقيام باجتياح برّي للبنان، فإن الخسائر الاقتصادية على لبنان سيكون لها وقع اجتماعي أكبر، مع مخاطر تحوم حول نقص بالعملة الصعبة والـ Social Dumping، سيكون الأقسى في تاريخ لبنان منذ المجاعة الكبرى. فحتى الساعة لم يعمد العدو الإسرائيلي إلى استهداف المرافق العامّة في لبنان، وهو ما يؤمّن حدّ أدنى من الاستمرار في العيش الكريم، إلا أن أي عملية حصار عسكري على لبنان، سيكون لها تداعيات آليمة على المواطن في ظل ضعف اقتصادي ومالي كبير، وفي ظل حصار أممي من باب اللائحة الرمادية.

 

إقتصاديا، لبنان هو الحلقة الأضعف في منطقة الشرق الأوسط، ولا توجد مساعدات دولية باستثناء مساعدات من قبل بعض الدول، مثل قطر والعراق والجزائر التي تُقدّم بعض المساعدات الإنسانية والمالية.

 

أما من جهة الدولة العبرية، فهي تتلقّى مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية، وآخرها المساعدة بقيمة 8.6 مليار دولار أميركي، لمواجهة التحديات المالية التي تواجهها.

 

من هذا المنطلق، من الضروري تفعيل عمل الديبلوماسية بشكل كبير لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، والدفع باتجاه انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة، من أجل انتظام عمل المؤسسات الدستورية، والقيام بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من لبنان من قبل المجتمع الدولي. ويبقى الأهمّ تفعيل الديبلوماسية باتجاه الدول الخليجية بحكم أن هذه الدول هي الوحيدة القادرة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية، على دعم لبنان واقتصاده وإعادة إحياء العلاقات التجارية والسياحية، التي لطالما افتقدها لبنان منذ بدء الحرب في سوريا وحتى الساعة.