أثارت زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الجمهوري خلافاً بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الأميركي. لكن الخلاف انحصر بين أوباما ونتنياهو، ولم يمتد إلى خلاف أميركي ـ إسرائيلي. وبعد تدخل أصدقاء الطرفين، تم احتواء الخلاف الشخصي، وربما تحدد فقط بتأثيره على الانتخابات الإسرائيلية في 17 من الجاري.
للمرة الأولى في هذا القرن، أي مند خمسة عشر عاماً، يشكل تحالف يسار الوسط خطراً على استمرار حزب الليكود وحلفائه في الحكم بفوزهم بأكثرية نيابية. إن «التحالف الصهيوني» بين اسحق هرزوغ (حزب العمل) وتسيبي ليفني (كانت في الأصل مع الليكود وانتقلت مع شارون إلى حزب كاديما وتتزعم اليوم حزباً جديداً: هاتوا) يشكل خطراً على زعامة نتنياهو واستمرار الليكود في السلطة. تشير الإحصاءات إلى ان الليكود يتساوى والتحالف الصهيوني في عدد النواب؛ لكن رئاسة الحكومة تتقرر بعد استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الدولة الذي يعطي الرئيس المكلف 42 يوماً يمكن تجديدها أسبوعين. إذا فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة يطلب رئيس الدولة من المنافس الأول للرئيس المكلف محاولة تشكيل الحكومة. إذا فشلت المحاولة الثانية يقدم رئيس الدولة على حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة.
تشير الإحصاءات أيضاً إلى ان حلفاء الليكود أقوى من حلفاء التحالف الصهيوني، خاصة أن التغيير الديموغرافي في إسرائيل يرجح كفة الليكود، وقد ابتدأ ذلك مع مجيء اليهود السوفيات في تسعينيات القرن الماضي، ويزيد عددهم اليوم عن 800 ألف نسمة. التوصيف الأساسي لهؤلاء انهم يكرهون كل أصدقاء الاتحاد السوفياتي، فهم ضد أي تقارب مع العرب. ولقد بلغ كرههم العرب ان زعيمهم افيغدور ليبرمان تقدم بمشروع تغيير قانون الانتخاب النسبي برفع الحد الأدنى لحصول مقاعد نيابية من 2.5 إلى 3.25 في المئة من عدد المقترعين، وذلك لإقصاء أحزاب عربية كانت تحصل على حوالي 3 في المئة من المقترعين وتفوز بمقاعد نيابية. إلا أن الأحزاب العربية، للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، ائتلفت في تكتل واحد وستحصل على الأقل على 12 مقعداً مقارنة بـ7 إلى 9 مقاعد كانت تحصل عليها سابقاً.
هناك أيضاً اليهود القادمون من الدول العربية (سفردوم) والمستوطنون في الضفة الغربية. وللتجمعين نسبة ولادة عالية تفوق معدل نسبة الولادة في إسرائيل. وكلا الفريقين، مثل اليهود السوفيات، يرفضان التقارب مع الفلسطينيين العرب ويدعمون أحزاب اليمين ومنها الأحزاب الدينية. ويقتصر التأييد لأحزاب الوسط واليسار على معظم اليهود الأوروبيين (الاشكنازيم).
ويرفض تكتل الليكود في حال وصوله إلى الحكم مبدأ الدولتين في فلسطين التاريخية، مع انه مستعد للتفاوض مع الفلسطينيين من دون الوصول إلى نتائج إيجابية. بكلام آخر لن يكون هناك سلام بين إسرائيل والفلسطينيين في حكومة نتنياهو وحلفائه، وسيسمح بإقامة مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات الحالية، بالرغم من مواجهة محتملة مع المجتمع الدولي وخاصة الأوروبي. يخاف المراقبون من أن تقدم حكومة الليكود على قطع المياه والكهرباء عن غزّة والضفة اللتين تعتمدان ـ بسبب الاحتلال ـ على إسرائيل لسد حاجاتهما. كذلك قد يستمر الليكود في تجميد كل حصة السلطة الفلسطينية من موارد الجمارك وضريبة القيمة المضافة.
أما التحالف الصهيوني فسيعود إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية على أساس المشروع العربي للسلام الذي أقر في بيروت عام 2002. لكن المراقبين يشككون في توصل المفاوضات إلى سلام نهائي لأن الوزن العربي في حال وصول التحالف الصهيوني إلى الحكم عال، ومن ثم يصبح إمكان عقد اتفاق سلام ضعيفاً جداً. غير ان هيرذوغ وتحالف اليسار سيجمدان إنشاء مستوطنات جديدة وسيواصلان إعطاء السلطة الفلسطينية حصتها من الجمارك والضرائب، بالإضافة إلى محاولة حثيثة لإيجاد حل دائم ومرض لقطاع غزة.
برغم الصعوبات التي يواجهها نتنياهو الذي يستمر في رئاسة الحكومة منذ عام 2007، فإن الاستقصاءات تشير إلى ان 60 في المئة من الإسرائيليين يرجحون عودة نتنياهو إلى الحكم. كذلك فإن المشاكل المالية والسياسية لنتنياهو لا تنقل الناخب الليكودي إلى اليسار وإنما إلى حزب يميني آخر.
باختصار، ان التغيير الديموغرافي في إسرائيل يسير لمصلحة أحزاب اليمين، ما يبعد إمكانية السلام بين إسرائيل والعرب. إن فوز يسار الوسط غير ممكن من دون دعم الأحزاب العربية ولذلك لن يستطيع تحالف كهذا أن يقيم سلاماً كاملاً ودائماً مع الفلسطينيين. وبالتالي فإن إمكانية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل تبدو مستحيلة التحقيق خلال العقد المقبل