IMLebanon

المساعي لوقف النار وأميركا تستكمل مسرحيتها!

 

بين مفاوضات الدوحة والقاهرة «نتنياهو» يضع العصيّ في عجلات

 

لم يعد خافيا على أحد ان ما يقوم به رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي من مناورات تعرقل مفاوضات الحل في غزة يمثل مغامرة تطال وجود كيانه العسكري ومستقبله السياسي إذ انه وبعد عدة جولات من اللقاءات المتنقلة ومروحة الاتصالات التي تقوم بها أكثر من دولة والتي تبوء كل مرة بفشل متعمّد مصدره الجانب الإسرائيلي إنما يدلّ وبوضوح على ان نتنياهو وفريق الصقور في حزبه ماضون في تعريض أمن المنطقة الى خطر قد لا تنحصر تداعياته في الجغرافيا الفلسطينية إنما ستشمل المنطقة بأسرها.

من هنا ترى المصادر المطّلعة ان مراوغة رئيس الحكومة الإسرائيلية تستند إلى عدة عوامل تجعله في موقف المتقبّل للحوار ظاهريا والرافض له باطنيا، وأبرز هذه العوامل المظلة الأميركية التي تتماهى مع نتنياهو في المضمون وتتعارض بالشكل، فرغم الاستنفار الأميركي على مستوى متقدم دبلوماسيا وما تعلنه إدارة بايدن من مواقف بين الحين والآخر عن ضرورة وقف الحرب والذهاب الى صفقة تفضي الى تبادل للأسرى تناقضه الممارسات العملية ما يؤكد ان الولايات المتحدة تناور بدورها لاستقطاع الوقت بانتظار الانتخابات الرئاسية وهذا ما يتوافق عليه طرفا المنافسة الرئاسية «الجمهوريون والديموقراطيون» في توظيف مواقف نتنياهو كل لمصلحته ويتمثل ذلك باستمرار الدعم المالي والعسكري رغم معرفة الأميركيين ان عشرات الآلاف ممن يقضون شهداء في غزة هم بفعل الذخيرة الفتّاكة التي ترسلها أميركا الى إسرائيل، بيد ان ما فات التنبّه له في الداخل الأميركي هو تبدّل مزاج العام وخاصة القوة الشعبية الناخبة رغم إمساك اللوبي الصهيوني بزمام الاقتصاد الأميركي وهذا ينسحب أيضا على المشهد الفرنسي إذ انه بعد تقدّم اليمين برئاسة لوبان سرعان ما انقلب المشهد لصالح اليسار الذي حصد الأكثرية النيابية على خلفية اعتراضه على استمرار الحرب على غزة ولم تكن بدورها بريطانيا بعيدة عن ذلك فبعد الانتخابات الفرنسية أظهرت نتائج الانتخابات تقدّم حزب العمال البريطاني على الحزب المحافظ بعد عشرات السنين من خروجه خالي الوفاض من أي انتخابات بريطانية وهذا أيضا مرتبط بتبدّل مزاج الرأي العام المستند الى معارضة استمرار الحرب.

 

صحيح ان غزة قد عدلت بمزاج الناخب الأوروبي لكنها قد تدخل بعض الدول الأوروبية بفوضى امنية وبدأت إرهاصاتها تظهر في المملكة البريطانية المتحدة من خلال أعمال الشغب المنظمة التي يقوم بها أنصار اليمين المتطرف والاعتداء على المهاجرين والوافدين في عدد من المحافظات البريطانية وهذا حتما كما يقول المراقبون انه سينعكس على الداخل الأميركي، وبعض الدول العربية.

من هنا تتبيّن دوافع وإصرار ومحاولات نتنياهو من خلال ارتكابه المجزرة المروّعة وخاصة مدرسة التابعين التي راح ضحيتها أكثر من مئة شهيد وعشرات الجرحى في محاولة مكشوفة لزيادة الضغوط على حركة حماس لدفعها الى وقف المفاوضات وإعلان الخروج منها، وهذا ما كان يهدف إليه أيضا عندما قرر اغتيال المفاوض الأساسي إسماعيل هنية، ولكن مرة جديدة تتحرك حماس بحسب المصادر بذكاء سياسي، فهي رمت الكرة مجدداً في ملعب الأميركيين من خلال إعلانها الموافقة على ما قدّمه الرئيس الأميركي جو بايدن، وتحاول حشر المفاوضين من خلال عدم السماح لنتنياهو بإدخال التفاوض في متاهات جديدة، علما ان ورقة المقترحات الأميركية التي أعلنها البيت الأبيض في الثاني عشر من تموز لا ترضي حماس أو تحقق ما تصبو إليه ومع ذلك وافقت الحركة إدراكا منها بأن نتنياهو سوف يرمي كرة التعطيل في ملعبها فإذا بها تعيدها إليه.

 

إذن ما جرى في الدوحة رغم موجة التفاؤل بالنتائج وما سيجري في القاهرة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الى فلسطين المحتلة ثم عزمه زيارة مصر تأتي في إطار المسرحية الأميركية المكشوفة وذر الرماد في عيون الرأي العام الدولي حيث لم يصدّق أحد ان عجز واشنطن عن لجم نتنياهو ناتج عن ضعف في التأثير بقدر ما هو تماهي مع أجندة الليكود الإسرائيلي الذي يتمثل ببعض وزراء اليمين المتطرف وعلى رأس القائمة رئيس وزراء الكيان.

في الخلاصة ان مسار الحرب على غزة وما تحمله من تداعيات على جبهة الإسناد جنوب لبنان ثمة من يرى انها ذاهبة الى مجهول النتائج وان مغامرة نتنياهو في معركة كسر العظم مع حماس لن تؤتي أُكلها كما يشتهي الكابينت الحربي ما يطرح السؤال: هل باتت المنطقة على فوهة بركان وبدأ العد التنازلي لحرب كبرى تتعدّى الجغرافيا وتغيّر التاريخ؟