آليات هيكلية المقاومة تتيح تجديد المراكز القيادية بسرعة
لم يتأخّر كثيراً ردّ حزب الله «الأوّلي» على مجازر الكيان الإسرائيلي الأخيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق جنوبية وبقاعية وشمالية، التي أدّت الى ارتقاء أكثر من 70 شهيداً وآلاف الجرحى بتفجيرات أجهزة الاتصال «بايجر» واللاسلكي، وبالغارة على حي القائم في حارة حريك التي استهدفت قادة ميدانيين للمقاومة، فقصفت المقاومة أمس وبصواريخ ثقيلة تستخدم للمرة الأولى قاعدة «رامات ديفيد» العسكرية ومُجمعات الصناعات العسكرية لشركة «رفائيل» المتخصصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية والواقعة في منطقة «زوفولون» شمال مدينة حيفا المحتلة، وهي أهداف سبق ونشرت المقاومة تقارير مصورة عنها في ما عاد به «الهدهد» الاستطلاعي.
وحسب مصادر مقرّبة جداً من المقاومة: فإن هذا «الردّ الأوّلي الثقيل» يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان بنية المقاومة العسكرية ما زالت متينة برغم الضربات الموجعة التي تلقّتها الأسبوع الماضي وخسارتها لعدد من كبار القادة الميدانيين، وانها فعلاً ما زالت تحتفظ بمفاجآت كبيرة للعدو الإسرائيلي، برغم شدّة التصعيد الذي قام به العدو خلال الأسبوعين الماضيين بمئات الغارات على مناطق الجنوب والبقاع عدا المجازر الأخيرة منذ الثلاثاء الماضي.
وتشير مصادر ميدانية في المقاومة الى «ان الصواريخ الثقيلة التي استخدمتها أمس، تؤكد فشل أهداف الحملات الجوية العنيفة التي ينفذها العدو عبر طائراته الحربية على الأودية في جنوب لبنان والبقاع، وتكشف زيف ادّعاءاته بتدمير مئات منصات الإطلاق حيث تم إطلاق الصواريخ الثقيلة من الجنوب، وتؤكد قدرة المقاومة على تكبيد العدو خسائر موجعة بالقدر الذي تتطلبه طبيعة المواجهة».
وأفادت المصادر المقرّبة جداً من المقاومة لـ «اللواء»: ان آليات التنظيم والعمل في هيكلية المقاومة مرنة ودقيقة، بحيث انها تستطيع أن تجدّد نفسها بسرعة وتلبّي أي متغيّرات أو خسائر بشرية بسرعة نظراً للإعداد الدائم للكوادر وتطوير قدراتها وإعادة تنظيم الوحدات، لذلك من المنتظر أن يأخذ حزب الله قليلاً من الوقت لملء الشغور في المراكز القيادية العليا وما دونها من مساعدين وكوادر، بحيث تعود بنية المقاومة الى سابق عهدها بعد الخسائر التي مُنيت بها جراء تفجيرات أجهزة الاتصالات والاغتيالات، بخاصة ان لديها عشرات آلاف المقاتلين المدرّبين والمُجهّزين.
وفي المقابل، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أمس، «أن اغتيال القائد العسكري للمقاومة إبراهيم عقيل ومعاونيه كان بمثابة رسالة واضحة للحزب أن حرب الاستنزاف انتهت وقواعد اللعبة تغيّرت». لكن مصادر متابعة عن قُرب قالت لـ «اللواء»: أن قصف أهداف حيوية للعدو في حيفا ومناطق أخرى في عمق الكيان الإسرائيلي يؤكد أيضاً ان قواعد المواجهة لدى المقاومة تغيّرت أيضاً، وانها نفذت كلامها بأن حيفا ستكون هدفاً مقابل الضاحية الجنوبية، وإذا تمادى العدو أكثر بالاعتداء على بيروت ستكون تل أبيب مقابل بيروت. ولدى المقاومة القدرة على تنفيذ ما تقوله حسبما ظهر أمس من قصف حيفا.
على هذا، وبسبب عناد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو واستعلائه ورفضه الإقرار بفشله في تحقيق أهداف حربه على جبهتي الجنوب وغزة، وعدم استماعه الى نصائح حلفائه الأميركيين والأوروبيين، نتيجة عدم الضغط الكافي والفعلي عليه، بأن التصعيد الواسع سيضرّ بالكيان الإسرائيلي كما يضرّ بالآخرين، قد تتطور المواجهات من النمط الحالي الى نمط أكثر توسّعاً وخطورة طالما انه لم يعد لدى الكيان الإسرائيلي ما يخسره أكثر. وهذا الأمر سيؤثر حتماً على صورة الكيان في الغرب لتصبح أكثر سواداً، وستكون له بشكل خاص انعكاسات على الوضع الأميركي لجهة مسار ومصير الانتخابات الرئاسية، ولجهة تغيّر مزاج الرأي العام الأميركي وحتى «اليهودي المعتدل» فيه الذي عبّر عن رفضه لممارسات حكومة نتنياهو.
وأظهرت ردات فعل قادة العدو أمس الفشل في تحقيق عودة المستوطنين، ومنهم نتنياهو الذي قال: «وجّهنا لحزب الله سلسلة من الضربات لم يكن يتخيّلها، وإذا لم يفهم الرسالة فأعدكم أنه سيفهمها وعازمون على إعادة سكاننا في الشمال إلى منازلهم بأمان». وكذلك كلام وزير الحرب يوآف غالانت الذي قال ان الهدف الأساسي لحربه هي «مواصلة استهداف حزب الله حتى إعادة مستوطني الشمال الى منازلهم بأمان»، وتبيّن ان هذا الهدف انقلب الى ضده، بحيث توسّع تهجير المستوطنين من مستعمرات ومناطق جديدة، واختبأ نحو نصف مليون مستوطن في منطقة حيفا في الملاجئ وأن أكثر من مليون إسرائيلي باتوا في نطاق نيران حزب الله، حسب الإعلام العبري.
وأكدت صحيفة «هآرتس» العبرية أمس، أن «المعادلات تغيّرت، منطقة حيفا وحتى جنوبها أصبحت ضمن نطاق إطلاق النار الجديد، ليس من المؤكد أن هناك مخرجاً من التصعيد». وأشارت إلى أن «ما حدث في الشمال فجر الأحد يمكن أن يحدث في الوسط».
فعن أي «أمان» يتحدث قادة العدو في ظل مئات الصواريخ التي تتساقط على رؤوس المستوطنين في أهم مناطق فلسطين المحتلة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بالنسبة للاحتلال؟