قبل أيامٍ معدودة على صدور قرار محكمة العدل الدولية، في الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا ضد العدو الاسرائيلي بتهمة الإبادة الجماعية، والتي انضمت إليه دول عدة أخيراً، يبدو جلياً أن القلق يزداد على المستوى الدولي من انتهاكات “إسرائيل” للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان من دون رادع، وبالتالي يزداد الضغط عليها لوقف عدوانها على قطاع غزة. فهل تكون هذه الدعوى المقدمة لإدانة دولية على الجرائم الإسرائيلية؟ وهل من الممكن أن تؤدي إلى وقف هذا العدوان؟
من الواضح أن أكثر من سيناريو متوقع لمسار هذه الدعوى، حيث يرى عميد الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي الدكتور بول مرقص، أن “المحكمة تدرس الآن الأدلة المقدمة من الجانبين، على أن تصدر قرارها في أواخر الشهر الجاري أو مطلع شباط المقبل”.
ويشير مرقص لـ “الديار” إلى أن “الضغط القضائي والديبلوماسي يتصاعد على “إسرائيل”، في ضوء المسارات القضائية التي انطلقت، بعد احتمال انضمام بلجيكا إلى جنوب افريقيا إلى الشكوى ضد “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى الإلتماس الذي تقدم به أيضاً المكسيك وتشيكيا أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، المنشأة بمقتضى نظام روما من أجل تفعيل الإختصاص هناك والذي لم يسلك طريقه بعد، وصولاً إلى الحراك القضائي السويسري الذي سجل خلال مؤتمر دافوس الأخير، حيث قدمت مجموعة قانونية حقوقية شكوى جنائية ضد رئيس “إسرائيل” الذي كان مشاركاً في المؤتمر المذكور”.
ويتوقع أن “يزداد هذا الضغط على “إسرائيل”، من خلال الدعاوى والشكاوى الجنائية المقدمة من قبل دول وأفراد ضدها ، والتي تنطلق من مبدأ القضاء الدولي الإنساني الشامل، بمعنى أن بعض الدول الأوروبية والدول اللاتينية تتمتع بهذا المبدأ، الذي يجيز محاكمة مسؤولين عن جرائم ضد الإنسانية أمام القضاء المحلي، ولو لم يكونوا قد ارتكبوا جرائمهم في هذه البلدان، وبالتالي فهذا الأمر يسمح لأهالي الضحايا أن يلجؤوا إلى القضاء الاجنبي لمقاضاة من هم عصيّون على المقاضاة في الدول التي ارتكبوا فيها هذه الجرائم”.
وعن إطار عمل محكمة العدل الدولية التي تنظر في دعوى جنوب إفريقيا، يوضح أنه “يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينصّ على أنه يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة اللجوء إليها لحل النزاعات الدولية، والحصول على قرار قانوني غير ملزم يعبر عن الحقوق والالتزامات القانونية للدول المعنية، وبالتالي فإن الأمم المتحدة هي المؤسسة الرئيسية التي تنظم عمل محكمة العدل الدولية، وميثاق الأمم المتحدة هو الذي يحدد صلاحياتها وإطار عملها”.
وأمّا لجهة ما ينطبق في هذا الإطار على حرب غزة، يشير إلى “المادة السادسة من الإتفاقية الدولية التي تعطي صلاحية لمحكمة العدل الدولية بالنظر في هذه المسالة، والتي تنصّ على محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة، التي ارتكب الفعل على أرضها أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص، إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها”.
وبالتالي، يلفت إلى المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 التي جاء فيها أن “الأفراد الذين يرتكبون جريمة الإبادة الجماعية يخضعون للاختصاص الشخصي العالمي ويمكن تقديمهم إلى أي سلطة تكون قادرة على القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، على أفعال مرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية”.
وحول الجهة المختصة بالتحقيق في حرب غزة، يقول إنها محكمة العدل الدولية، وذلك “نظراً للأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن تصرفات إسرائيل في قطاع غزة، قد تشكل حجة مقنعة للمحكمة بخرق المادتين الثانية والثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
وعن أحكام هذه المحكمة، يوضح مرقص أن “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية تعطي الحقّ إلى الدول الأطراف بما في ذلك جنوب أفرقيا، وهي قادرة على مطالبة الأمم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية”.