Site icon IMLebanon

الثمن الذي يريده «حزب الله»

 

على رغم المواقف الإسرائيلية الملتهبة، والتهديدات بإحراق لبنان، يبدو لافتاً صمت «حزب الله» وتعاطيه ببرودة مع هذا الوضع. فأيّ تكتيك هو الذي يدفعه إلى هذه المقاربة الهادئة؟

لم تكن مفاجئة زيارة القائم بأعمال الخارجية الايرانية علي باقري كني لبيروت، في ذروة انشغال طهران بترتيبات ما بعد رحيل الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته المحنك علي أكبر ولايتي، ضمن جولة شرق أوسطية. فالهدف هو تدعيم التنسيق مع الحلفاء في مرحلة باتت مصيرية للجميع. وقد كان مقرراً أن يقوم ولايتي بهذه المهمة.

 

خلافاً لما يعتقد البعض، الإيرانيون ليسوا اليوم في حال توتر وقلق من تنفيذ إسرائيل ضربات ضد أهداف استراتيجية في إيران نفسها أو ضد الحلفاء في لبنان أو سوريا أو العراق، بل إنهم يقاربون ملف الاحتكاك مع إسرائيل ببرودة وهدوء. فهم يعتقدون أن التهديدات الإسرائيلية ضد إيران و«حزب الله» ستبقى محدودة الأثر، لأن هناك ضوابط كبيرة تمسك باللعبة.

 

في تقدير طهران أن الإسرائيليين هددوا طويلاً بضرب المنشآت النووية في الداخل الإيراني، واغتالوا أدمغة أساسيين في البرنامج النووي. لكن إيران النووية مستمرة في النمو كما هو مقرر، ولم تتعرض لضربة عسكرية إسرائيلية شبيهة بتلك التي استهدفت مفاعل تموز العراقي، القرن الفائت. وكذلك، يهدد الإسرائيليون بتوجيه ضربة مدمرة تستهدف «حزب الله» ولبنان خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة. لكنهم في الواقع يتجنبون الدخول في هذه المغامرة، ويسعون واقعياً إلى مفاوضة «الحزب» والتوافق معه، بل إنهم مع الأميركيين مستعدون لإعطائه الثمن الذي يطلبه مقابل موافقته على أي تسوية، سواء في ما يتعلق بمنطقة الحدود جنوباً أو في ما يخصّ التسوية السياسية في الداخل.

 

في الدرجة الأولى، يرتكز الإيرانيون في هذا «الاطمئنان» إلى دور الولايات المتحدة في ظل قيادة جو بايدن. فالأميركيون يحرصون في أول مرتكزات سياستهم الشرق أوسطية على ضمان علاقة تحاورية واستيعابية مع طهران، لعلهم في ذلك يفرملون انجرافها شرقاً إلى محور بكين – موسكو، في لحظة تحولت فيها الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى حرب عسكرية حقيقية في أوكرانيا. ونهج التهدئة الإيرانية – الأميركية يترجم بالمحادثات الهادئة الجارية بين الجانبين في سلطنة عُمان، على مستوى الديبلوماسيين والخبراء. وكذلك، في تقدير طهران، تتحسب إسرائيل بكثير من الدقة لواقع التوازنات في القوة العسكرية. فأي ضربة إسرائيلية واسعة تهدد طهران مع حلفائها ستقابل بردود واسعة أكبر بكثير من الرد الذي سبق أن نفذته طهران، واستهدفت فيه العمق الإسرائيلي بمئات الصواريخ والمسيّرات.

 

لذلك، في تقدير الإيرانيين أن إسرائيل ستتردد كثيراً قبل أن تغامر بكسر قواعد الاشتباك السائدة حالياً مع حلفائهم، و«حزب الله» تحديداً، وأنها ترفع درجة الحرب الإعلامية والدعائية إلى حدود عالية كبديل من الحرب العسكرية التي تعرف أنها ستكون مكلفة جداً لها. كما أن واشنطن من جهتها حريصة على الاضطلاع بدورها في ضبط أي نزعة إسرائيلية إلى تفجير حرب واسعة في لبنان.

ووفق الأوساط السياسية التي واكبت زيارة كني، فإن هذه الأجواء «المطمئنة» تبلغها «الحزب». ولذلك، وعلى رغم التصاريح الإسرائيلية الملتهبة، ما زال «الحزب» يرجّح أن تسمح الظروف باستئناف المفاوضات، بوساطة أميركية، من خلال عاموس هوكشتاين. وفي تقديره أن هذا الأمر يمكن أن يحصل في أي لحظة، وأن إسرائيل تريده ضمناً لأنها تتخبط عسكرياً في غزة ولبنان. وفي نظر إيران أن حظوظ التسوية ما زالت قوية، على رغم مواقف السقف العالي التي تتوالى على ألسنة قادة الحرب في إسرائيل.

 

وفي أي حال، يقارب «حزب الله» هذه المسألة بكثير من الدقة. وهو واقعياً ينتظر أن يحصل على الثمن مقابل موافقته على التسوية. فهو إذ يُطلب إليه وقف حرب «المشاغلة» مع إسرائيل وضمان أمن الحدود وسكان المنطقة الشمالية، إلتزاماً بالقرار 1701، فإنما يريد في المقابل التزاماً إسرائيلياً مماثلاً وثابتاً. كما أنه يسأل: في السياسة، ما دوره الذي سيتم الاعتراف به دولياً مقابل انضوائه في التسوية، بدءاً من الجنوب وصولاً إلى عملية بناء السلطة في الداخل؟

 

بعض المطلعين على موقف «الحزب» يقولون إنه لا يتوهم بأنه سيتمكن من تحقيق كل المكاسب التي يريدها، في ظل المعطيات القائمة وتوازن القوى الإقليمي والدولي. إلا أن الصفقة ما زالت حتى الآن أقرب من الحرب.