Site icon IMLebanon

شجاعة الموقف فقط تنقذ لبنان

 

اغتالت إسرائيل بالأمس وسام الطويل الملقب بــ«جواد» القيادي في قوات الرضوان أي قوات النخبة لدى حزب الله بطائرة مسيَّرة استهدفت سيارته في قرية خربة سلم الجنوبية بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن إلى إسرائيل لإجراء محادثات صعبة حول الحرب في قطاع غزة، حيث تتواصل العمليات العسكرية، فيما تزداد المخاوف من اتّساع رقعة النزاع في المنطقة.

يُسجّل هذا الإغتيال في سجل الإختراقات الإستخباراتية الإسرائيلية لمنظومة حزب الله الأمنية، إلى جانب إغتيال القيادي البارز في حركة حماس الشيخ «صالح العاروري» في أحد المربّعات الأمنية لحزب الله في قلب الضاحية الجنوبية مطلع الاسبوع المنصرم، واغتيال القيادي في كتائب القسام «خليل الخراز» بمسيَّرة إسرائيلية في قرية الشعيتية قضاء صور في 21 تشرين الثاني / نوفمبر المنصرم، واستشهاد «عباس محمد رعد» (سراج)، نجل النائب محمد رعد مع أربعة مقاتلين من الحزب إثر غارة إسرائيلية على منزل بيت ياحون جنوب لبنان في 22 منه.

 

تؤشر هذه الإستهدافات النوعية إلى استراتيجية إسرائيلية تقضي بتحويل الجهد الرئيسي على الجبهة الشمالية من تبادل لإطلاق نار روتيني عابر للحدود الى ملاحقة أهداف نوعية وذات قيمة في العمق اللبناني، بما يسمح بتوسيع بقعة العمليات من النطاق الحدودي حتى معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، لتصبح نسقاً مرافقاً  للمناوشات على الحدود.

تبني إسرائيل  استراتيجيتها على موقف إيران المتكرّر على لسان مرشدها ووزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان الذي يؤكد عدم الرغبة في توسيع دائرة الحرب خارج غزة، والتنصل من أي دور في عملية طوفان الأقصى، وهذا الموقف كرره أمين عام حزب الله في أكثر من مناسبة. تؤكد استدامة العمليات النوعية على ترنح معادلة توازن الردع التي طالما استند إليها حزب الله في تهديداته لصالح العدو، فالعمليات النوعية كما الأهداف المحققة من خلالها لا يمكن مقارنتها بالأهداف الميدانية التي يهاجمها حزب الله من حين لآخر، هذا دون أن نُسقط من الإعتبار العدد الكبير لشهداء الحزب جراء المواجهات اليومية والذين فاق عددهم 160 شهيداً.

تمارس إسرائيل استراتيجيتها الجديدة على الحدود الشمالية في ما يبدو أنه استثمار تتيحه المواقف الإيرانية، بما لا يؤدي الى إحراج الإدارة الأميركية التي لا يزال موفدوها يقومون بزيارات الى المنطقة بهدف منع توسّع الحرب فيما يبدو أنها لا تمانع في الوقت عيّنه باستمرار العمليات النوعية.

يمثّل المشهد الإقليمي إستدعاءً أميركياً وإسرائيلياً صريحاً ــــــ ترفضه إيران ـــــ لدخول الحرب، فيما تستثمره  الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أقصى الحدود. هذا ما يؤكده اغتيال العميد رضي الموسوي أحد أبرز قادة الحرس الثوري في دمشق في 25 كانون الأول /ديسمبر المنصرم بضربة إسرائيلية، واغتيال القيادي في حركة النجباء الموالية لطهران «مشتاق طالب السعيدي» الملقب بــ«أبو تقوى» بضربة أميركية على مقر للحشد الشعبي قرب وزارة الداخلية العراقية شرق بغداد في الرابع من الشهر الحالي وقد أكدها المتحدثُ بإسم وزارة الدفاع الأميركية «باتريك رايدر». هذا بالإضافة الى إغراق القوات الأميركية لثلاث زوارق حوثية في جنوب البحر الأحمر في 31 ديسمبر/كانون الأول المنصرم بعد هجوم على سفينة حاويات تابعة لشركة ميرسك وفقاً لبيان عن القيادة الأميركية المركزية.

وفيما يبدو أن الإدارة الأميركية عازمة على التوصل الى وضع نهائي يضمن أمن حدود إسرائيل على كل الجبهات ومنها لبنان بعد الخطر الوجودي الذي واجهته مع عملية طوفان الأقصى، تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية في غزة وعلى الحدود مع لبنان دون سقف زمني مستندة إلى غطاء أميركي ودعم لا يتوقف. يندفع وزير الخارجية الأميركي للبحث مع المسؤولين المصريين عن ترتيبات أمنية صارمة على حدود قطاع غزة تفضي الى عدم تشكيل أي تهديد لإسرائيل في المستقبل كبديل عن الإستمرار في تدمير القطاع، فيما يبقى لبنان في دائرة الإستهداف اليومي بعد زيارات لوسطاء ومسؤولين أميركيين وأوروبيين لم تحقق أي تقدم نتيجة تحلل الدولة وضياع القرار الرسمي بين التماهي مع خطاب حزب الله والإختباء خلف القرار 1701.

وفيما تعجز إسرائيل عن تحقيق إنتصار ميداني فوق كتل الدمار وأشلاء الأطفال والنساء في غزة، ويدفع الضياع الإيراني أمام الإندفاعة الأميركية طهران الى اللعب على حافية الهاوية يدخل لبنان عين العاصفة، وتنذر الأسابيع المقبلة بتطورات خطيرة لا يمكن وقفها. فهل يتخلص المسؤولون في لبنان من رهاب يعيشونه أمام حزب الله ويخرجون من ذهولهم المزمن ويستعيدون شجاعة غادرتهم لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان؟.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات