Site icon IMLebanon

لماذا تتجنّب إيران المواجهة المباشرة مع إسرائيل؟

 

العلاقات الإسرائيليّة – الإيرانيّة: التحدّيات والمخاطر!

 

 

تتعمّد اسرائيل ضرب القيادات الايرانية العاملة في سوريا وقد تَكرّر هذا الأمر وكان آخر فصل فيه عملية اغتيال القادة الإيرانيين في عملية الست زينب في دمشق بعد عملية الضاحية الجنوبية في بيروت. وبالرغم من كل ذلك فإنّ الرد الايراني كان كالعادة رداً كلامياً فيه تهديد بالثأر. ولكن ذلك لم يحدث ماضياً، ويبدو أنّه لن يحدث حاضراً بمعنى آخر، فإنّ نظام الملالي في طهران لم يتخذ القرار بالرد العسكري المباشر على اسرائيل بالرغم من فداحة الخسائر البشرية والعسكرية التي تكبدها نظام طهران. السؤال المطروح: لماذا؟ وإلى متى سيبقى الموقف الإسرائيلي من دون رد؟

 

أولاً: الاشكاليات الجيو- سياسية في الشرق الأوسط

 

تكاد منطقة الشرق الأوسط تكون أكثر مناطق العالم اهتزازاً وتفجراً بسبب انهيار النظام العالمي الثنائي وصعوبة قيام نظام عالمي جديد. فلقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منطقة الشرق الأوسط بأنها منطقة قابلة للتفجير والاشتعال، إنها برميل بارود الكرة الأرضية لكثرة ما فيها من صراعات ومواجهات: إتنية ودينية وحضارية واقلّوية وجيو- سياسية تتشارك فيها القوى الدولية العظمى والقوى الكبرى والقوى الإقليمية والقوى الداخلية بامتداداتها وصراعاتها الأيديولوجية. يحدث ذلك في الوقت الذي تقوم فيه الدولة الايرانية وتسعى لفرض وجودها ونفوذها في المنطقة مستفيدة من التراجع في نفوذ القوى الاسلاميّة السنيّة مستعينة بامتداداتها الإقليمية: «حزب الله» في لبنان، «أنصار الله» الحوثيون في اليمن، «حماس» في غزة والضفة الغربية (لعدم وجود أقلية شيعية)، «أنصار الدولة الاسلامية الايرانية» في العراق («حزب الله» العراقي)، وجماعة محور المقاومة في سوريا. لقد أدّت الغارة الاسرائيلية على دمشق إلى مقتل خمسة مستشارين في الحرس الثوري الايراني بينهم المسؤول عن استخبارات الحرس الثوري في سوريا ونائبه وعنصران في الحرس. ولقد وصف الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي العملية بأنها هجوم جبان وأنّ بلاده لن تترك الضربة في دمشق بدون ردّ من جمهورية ايران الاسلامية. واعتبر الناطق باسم الخارجية الايرانية العملية بأنّها محاولة يائسة لنشر عدم الاستقرار وانعدام الأمن في المنطقة وأضاف، وبالاضافة إلى الملاحقة السياسية والقانونية والدولية لهذه الأعمال العدوانية الاجرامية تحتفظ جمهورية ايران الاسلامية بالحق في الرد على الارهاب المنظّم للكيان الصهيوني في الزمان والمكان المناسبين.

 

تأتي هذه العملية وقد سبقتها عملية اغتيال القيادي في الحرس الثوري رضى موسوي قرب دمشق، وقبله صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في ضاحية بيروت الجنوبية، وكذلك وسام الطويل القيادي العسكري في «حزب الله» الذي اغتيل في جنوب لبنان. وكانت اسرائيل قد اغتالت عدداً من المسؤولين العسكريين اللبنانيين في سوريا متهمة اياهم بنقل الأسلحة من ايران إلى داخل سوريا ولـ»حزب الله» داخل لبنان أيضاً: وتدّعي اسرائيل أنّها تفعل ذلك لمنع ايران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا، لذا، ركزت ضرباتها أخيراً على مطاري دمشق وحلب بجعلهما غير صالحين للملاحة وبالتالي لنقل الأسلحة من ايران إلى سوريا ولبنان.

 

ثانياً: الرد بالواسطة وتجنب الرد المباشر!

 

إنّ ما تقوم بها الجمهورية الايرانية الاسلامية هو مجرد رد بالواسطة عبر اذرعها في المنطقة مستخدمة نفوذها لدى قوى سياسية وعسكرية في دول المنطقة وكذلك استغلال النقاط الاستراتيجية في خريطة الشرق الأوسط من مضيق هرمز في الخليج إلى باب المندب على مدخل البحر الأحمر لكي تخلق وضعاً صعباً ومعقداً لدول المنطقة والتجارة الدولية وهو ما ينذر بمضاعفات على الاقتصاد العالمي إن من حيث الغذاء أم من حيث النفط.

 

في الوقت ذاته تسعى الجمهورية الاسلامية الايرانية لخلق علاقات جديدة ايجابية مع كل من روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. لكن إيران شأن بقية دول المنطقة تواجه ردّة سياسية عقائدية داخل المجتمع تتمثل في اتجاهين:

 

الأول: يستعيد مآسي الصراع الشيعي السني وتعبيره في عملية تبادل القصف الجوي بين ايران وباكستان.

 

الثاني: يستعيد مكونات الصراع العقائدي داخل الإسلام بين القوى الراديكالية المتطرفة من جانب وقوى الوسطية والاعتدال من جانب آخر وهو ما تمثله «حماس» كحركة راديكالية داخل الإسلام السنيّ وما لحق بها من تنظيمات هي في الحقيقة تفرعات حول حركة «الإخوان المسلمين» الأمر الذي أدّى إلى حدوث شرخ داخل منظمة التحرير بالذات بشكل خلق معادلة جديدة داخل المجتمع الفلسطيني وحتى العربي المؤيد لمنظمة التحرير والتي راحت تبلور هويتها العقائدية الجديدة خارج التفاهمات والحلول الوسط. هذا الأمر أدّى إلى نتائج خطيرة وحاسمة في مقدّمها رفض ما قبل به ياسر عرفات من قبل وبالتالي رفض قبول الكيان الصهيوني في فلسطين.

 

وهكذا أصبحنا أمام نفيين متقابلين: رفض صهيوني للقبول بقيام دولة فلسطينية (حلّ الدولتين). رفض فلسطيني للقبول بقيام دولة صهيونية في فلسطين.

 

يبقى السؤال الأهم: لماذا لا ولم ترد ايران مباشرة على اعتداءات إسرائيل عليها… وعلى مسؤوليها وقيادييها؟ الجواب بكل بساطه ووضوح لأنّ إيران تعرف تماماً طبيعة رد الفعل لديها في مواجهة أي صراع مع اسرائيل وهي مواجهة بالرّد النوويّ.

 

إنّ اسرائيل تمثل دولة – حاجزاً بين العالم العربي والعالم الفارسي. مساحة إسرائيل (22,000) كلم مربع مقابل مساحة إيران وهي (1,648,000) كلم2 أي 80 مرة مساحة اسرائيل. وعدد سكان اسرائيل (8,5) ثمانية ملايين ونصف (للعام 2020)، مقابل عدد سكان إيران (82,9) ثلاثة وثمانون مليون تقريباً (للعام 2020)، أي 10 مرات عدد سكان اسرائيل.

 

في علم الجغرافيا السياسية، إذا لم يكن بالإمكان حياد أو تحييد الدولة الحاجز (اسرائيل) فإنّ المخرج لها هو في التسلح بأسلحة الدمار الشامل وهذا ما فعلته اسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي، فأصبحت دولة ذات قوة نووية هي الخامسة في العالم إذ تملك بحسب الخبراء الاستراتيجيين نحو 250 قنبلة نووية.

 

القرار متخذ في اسرائيل بالرد فوراً على إيران بالسلاح النووي ولكن أميركا غير موافقة حتى الآن. ولكن هذه الموافقة تصبح حاصلة فور قيام إيران بمهاجمة اسرائيل. ولأنّ إيران تدرك ذلك فهي لا تقوم بمهاجمة الدولة العبرية لأنها تعرف انها ستواجه كارثة نووية!