الصفة الرسمية للأمين العام للجامعة العربية هي شرفياً، أنه يمثل الملوك والرؤساء العرب من دون أن يعني ذلك أن له حضوره الوظيفي في كل دولة من الدول الأعضاء. ومن هنا فإنه عندما يُساء إلى الأمين العام فإن الإساءة المعنوية تشمل الجميع. وفي هذه الحال يصبح من الضروري على قادة الدول الأعضاء في الجامعة التصرف بما يقتضيه الرد على الإساءة التي تلحق بمَن يمثلهم… وإن كان التمثيل شرفياً.
مناسبة هذا الكلام أن بنيامين نتنياهو رمز العدوان وتعطيل مساعي التسوية للصراع العربي – الإسرائيلي والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، والذي يعيش أزهى حالات التفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجَّه قذيفة ثانية بالغة الإهانة إلى القادة العرب بعد القذيفة الإستعلائية المهينة التي سبق أن رمى بها في الساحة العربية – الإسلامية. والقذيفتان تستوجبان وقفة من التأمل بعمق نثبِّتها هنا في ثنايا مقالة بأمل أن تلفت إنتباه القادة العرب ومعهم النظام الإيراني، خصوصاً أننا نعيش أياماً روحانية يضفي شهر الصوم المبارك عليها أهمية التأمل في الدنيا والآخرة وضرورة مراجعة المواقف وتصحيح ما من المصلحة وكذلك الواجب الديني تصحيحها.
نبدأ بالقذيفة الأحدث المتمثلة في أن نتنياهو وجَّه بمنع وصول الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إلى رام الله عاصمة «السلطة الوطنية الفلسطينية» عن طريق إستخدام طوَّافة تنقله من عمان ثم تعْيده إلى العاصمة الأردنية. أما لماذا المنْع فلأن نتنياهو يريد إهانة ممثّل القادة العرب، من خلال إجبار نبيل العربي على إستخدام معبر «اللنبي» الإسرائيلي والتوقف فيه إلى حين إنجاز الجنود الإسرائيليين في المعبر تفتيش سيّارة الأمين العام ومَن معه، وربما إخضاعه للتفتيش التقليدي أي خلْع سترته ووْضع جوَّاله على طاولة الجندي الذي يفتش والتأكد من أن حزام «بنطلونه» ليس ناسفاً وأن حذاءه لا يحوي مادة تفجيرية.. تماماً على نحو ما يحدث خلال التفتيش في المعابر وحتى في المطارات حيث يشمل التفتيش البصم وتصوير العينيْن وملامح الوجه.
بطبيعة الحال إن الغرض الخبيث من ذلك هو أن تفتيش الأمين العام للجامعة وختْم جوازه من قِبل سلطة الأمن الإسرائيلي هو بمثابة تفتيش رمزي لكل القادة والمسؤولين العرب ومنهم لأهل النظام الإيراني.
على رغم إستغرابنا أصلاً لمبدأ زيارة الأمين العام للجامعة إلى رام الله وبالذات في زمن الشماتة الإسرائيلية بالوضع العربي والتدليس الأميركي – الروسي للذئب الإسرائيلي الفاغر فمه على مدار الساعة وتعطيله أي محاولة لتحقيق تسوية للصراع أحدثها المحاولة الفرنسية… إننا على رغم إستغرابنا لمبدأ الزيارة نأخذ في الإعتبار أن نبيل العربي يستعد لمغادرة المنصب ليحل محله وزير الخارجية المصرية الأسبق أحمد أبو الغيط الذي جرى إنتخابه قبل شهريْن ليكون الأمين العام الـثامن (بعد عبد الرحمن عزام، عبد الخالق حسونه، محمّد رياض، الشاذلي القليبي، عصمت عبد المجيد، عمرو موسى، نبيل العربي) للجامعة العربية، وأنه رأى في عدم قيامه بزيارة إلى مقر «السلطة الوطنية الفلسطينية» كبادرة تدعيم لها، نوعاً من التقصير في أداء واجب، ومن أجل ذلك إرتأى القيام بالزيارة التي إعتبرها نتنياهو فرصة لتسجيل المزيد من الإستهانة بقادة الأمتيْن بعد الإستهانة الأكثر سوءاً التي صدرت عنه يوم الثلاثاء 3 حزيران 2016 وتمثلت بقوله، وبصيغة الشامت والمتعجرف، أمام ضباط وجنود داخل نفق حفرَتْه «حماس» ثم أمكن إكتشافه: «جيشنا من أقوى الجيوش في العالم، ولكن قوتنا الحقيقية تكمن في روحكم التي هي روح الشعب. إننا موجودون في قلْب العاصفة وأود أن تعلموا ذلك. لقد قتلوا نصف مليون شخص في سوريا التي تنهار حالياً، وفي العراق الذي إنهار سابقاً، هاتان الدولتان لم تعودا موجودتيْن، إضافة إلى ذلك ليبيا التي إنهارت وإنهار أيضاً اليمن، أنتم تشاهدون تدفُّق الملايين من النّاس الذين يهربون إلى أوروبا، و«داعش» موجود في الطرف السوري من الجولان وليس بعيداً عن هنا، في الطرف الآخر. مصر تحاربه والأردن يحاربه، إننا موجودون في عين العاصفة، ومقاربة بما يجري في المنطقة فإن إسرائيل هي الدولة الأكثر إستقراراً وهدوءاً وأماناً…».
من حيث واقع الحال فإن ما يقوله نتنياهو صحيح. وهو عندما ينعي سوريا وينعي العراق وينعي ليبيا وينعي اليمن (الجناح الثوري من الأنظمة العربية) فإنه يُبدي إبتهاجاً طالما كان والذين سبقوه يمنون النفس بحدوثه. وهو في الوقت نفسه يسجل العربدة تلو الأُخرى ضد الشعب الفلسطيني تقتيراً في الماء (40 كوب ماء في الساعة لستمئة مستوطِن مقابل 60 كوباً لتسعة عشر ألف فلسطيني. على سبيل المثال) وتشجيعاً للمتطرفين أمثاله لإنتهاك حرمة المسجد الأقصى وتجوال سيّارة كهربائية تابعة للشرطة في باحات المسجد وكأنما هذه الباحات شوارع أو أزقة، وفي الوقت نفسه تحرم المواطنين الصائمين المتعبدين الأبناء الحقيقيين والأصليين للوطن فلسطين من ممارسة صلواتهم خلال الأيام الرمضانية وكل ذلك في سياق المخطط الشرير بغرض وضْع اليد الصهيونية على الحرم الثالث تنفيذاً للمخطط الأكثر شراً الذي يقوده مجموعة من الحاخامات أخطرهم من حيث التطرف وكراهية الإسلام الحاخام يهودا غليك الذي لم تنفع معه محاولة إغتياله قبل عاميْن على يد شاب فلسطيني أصيب خلالها غليك هذا بجراح خطيرة، يواصل من خلال 27 منظمة تُعرف بـ «منظمات الهيكل» الدعوة إلى تقسيم المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة أو، شُلْ لسانه ويده، إلى هدمهما.
أليس هذا الإبتهاج وهذه الإستهانة وهذه العربدة تشكِّل مجتمعة وقفة يتخذها القادة العرب والمسلمون يسأل الواحد منهم نفسه: هل لولا الذي نصنعه بأنفسنا كان هذا الـ نتنياهو يستصغر شأننا ويتحدث عن بعض دول الأمة وبالذات سوريا والعراق وليبيا المثلث الثوري الفاعل على مدى أربعة عقود وكيف إنتهى هذا المثلث من أرقام بالغة الأهمية في المعادلة العربية إلى ما يشبه الأصفار، مجرّد أنظمة ذات جيوش تبعثرت يحارب كل جيش منها «جيوشاً» ناشئة أو أطيافاً وطوائف معترضة أو خارجة عن الطوع.
وهل لولا الذي نصنعه بأنفسنا كان هذا الـ نتنياهو سيستهزئ بـ «مبادرة السلام العربية» متحالفاً مع ليبرمان صديق بوتين الأكثر تطرفاً منه داخل إسرائيل، مطالباً بعد أربعة عشر عاماً على إطلاق هذه المبادرة بإجماع عربي غير مسبوق ومن القمة الدورية الثانية في بيروت (2002) وبصياغة متآنية وعاقلة وموضوعيْة من جانب الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمة الله عليه (كان زمنذاك ولياً للعهد) بتعديل المبادرة قائلاً (يوم الإثنين 13 حزيران 2016) بصلف: «إذا تفهمَت الدول العربية أنها بحاجة لتعديل مبادرة السلام العربية فلتعدِّلها وفقاً للتغيَّرات التي تراها إسرائيل، وحينها فقط سنتحدث. لكن إذا أصرت على طرْح المبادرة كما صدرت عام 2002 وتقول لنا خذوها أو إتركوها فإننا سنتركها ولن نقبل بها مطلقاً. إن الجزء الإيجابي في المبادرة العربية يتمثل بإستعداد الدول العربية لتحقيق السلام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لكن هناك عناصر سلبية منها المطالَبة بالإنسحاب حتى حدود الرابع من حزيران 1967 مع تبادُل أراضٍ والإنسحاب من هضبة الجولان وحل قضية اللاجئين الفلسطينييْن…».
وهل لولا الذي نصنعه بأنفسنا كانت إسرائيل نتنياهو تضيف إلى صفتها كدولة معتدية ثم مبتهجة بالذي إنتهت إليه سوريا والعراق وليبيا واليمن، ستعمل على تطوير صناعتها العسكرية وتصبح تاجرة سلاح إلى دول كثيرة، بل إن المتخصصين في عالم الأسلحة وما تطرحه المصانع من جديد ومتطور يصنِّفونها على أنها، بعدما حلت محل إيطاليا في تجارة السلاح، باتت الرقم السابع بين العشر الأوائل لجهة الحجم. وهو أمر لافت كون إسرائيل دولة صغيرة. وهي إلى تجارة السلاح غدت في الغيبة العربية – الإسلامية أو غيبوبة بعض دول الأمتيْن تملك ثمانين رأساً نووياً وفي صدد إجراء المزيد من التجارب على صواريخ بعيدة المدى. وهي تفعل ذلك من دون أن تتخلى عن إبتزاز الولايات المتحدة في موضوع الخشية من فقدان التفوّق العسكري وكل ذلك إستباقاً للحصول من الإدارة الأميركية الجديدة (ترامب أو هيلاري كلنتون أو ثالث ما) على تجديد المساعدة العسكرية الأميركية التي تنتهي عام 2018، ومحاولة الضغط بذريعة الخشية على فقدان التفوّق العسكري، من أجل رفْع المساعدة بليوناً ونصف البليون دولار إضافة وهو ما سيتحقق في ضوء رسالة غالبية أعضاء الكونغرس الذين كانوا رفعوا يوم الإثنين 25 نيسان 2016 رسالة إلى الرئيس أوباما تطلب منه الموافقة على ما تريده إسرائيل.
… ويا ثوريي الأمتين كفى مغامرات غير محسوبة طالما تسببت في أن نتنياهو المستهين والشامت والمتعجرف على نحو ما أوردناه يتمنى لكم طول التخبط والمزيد من عراك جيوشكم بعضها ضد جيوش وُلدت نتيجة غياب الوعي لدى الذين بين أيديهم القرار، إذ كلما بقيتم على ما أنتم عليه فاعلون كلما تطاول عليكم نتنياهو… وربما سيفعل ما هو أكثر من التطاول. ومَن يعش ير.