جندت إسرائيل طبيباً سورياً يعمل في السويد عبر «شركة»، زعمت أنها تريد تنقية شبكة المياه في سوريا مجاناً. كُلّفَ الطبيب معن يوسف بالحصول على خرائط شبكات المياه والصرف الصحي وجمع معلومات ذات بُعد أمني. ولعب دور الوساطة ليُجند والده وشقيقيه الضابطين في الجيش السوري للعمل معه لمصلحة الموساد لجمع معلومات أمنية مقابل آلاف اليوروهات
أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي طبيباً سورياً، دخل لبنان عبر مطار بيروت خلال شهر آب، يعمل لمصلحة الموساد الإسرائيلي. رُصِدَ الطبيب أثناء متابعة ضباط الفرع للحسابات الإلكترونية المستخدمة من قبل ضباط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي يتواصلون عبرها مع عملاء أوقفوا في وقت سابق، حيث حُدِد شخصٌ يستخدم أرقاماً سورية وسويدية تواصلت مع الموساد الإسرائيلي بين عامي 2020 و2022، ليتبين أنها تنشط في محيط مطار بيروت الدولي. فقد كان الطبيب يأتي من السويد إلى بيروت ثم ينتقل براً إلى سوريا. أُبلغ القضاء ليعطي إشارته لجهاز أمن السفارات لتوقيف الطبيب السوري أثناء محاولته مغادرة مطار بيروت، وهو من مواليد اللاذقية عام 1969 وتم تسليمه إلى فرع المعلومات.
أفاد الموقوف المحققين بأنه طبيب أمراض داخلية وكلى، يرأس قسم أمراض الكلى في أحد مستشفيات استوكهولم، ويتقاضى لقاء عمله مبلغ 7.3 ألف يورو وأنه يسافر باستمرار. بدأ التحقيق معه ليخبر المحققين أن شخصاً تواصل معه عبر البريد الإلكتروني عام 2018 أعلمه أنه يدعى كريستوفر ويعمل في شركات تُعنى بالبيئة وتنقية المياه، عارضاً عليه المساعدة في مشروع تنقية المياه في سوريا، كاشفاً أن هذه المشاريع خيرية ومجانية. فأبلغه موافقته ليحصل تواصل هاتفي بينهما قبل أن يلتقيا بعد نحو شهر في فندق الشيراتون في استوكهولم حيث جرى الحديث عن المشروع، واقترح الطبيب أسماء أشخاص للعمل معه في المشروع هم شقيقاه لؤي ومازن، علماً أن الأول عقيد متقاعد في الجيش السوري والثاني عميد في الجيش السوري ويقع مركز خدمته في قسم الهندسة الطوبوغرافية (تقاعد بداية العام الحالي). إضافة إلى زوجة شقيقه التي تعمل مهندسة مدنية في البلدية.
أفاد الطبيب بأنه نقده في نهاية اللقاء 150 يورو بدل تنقل من اسكلستونا إلى استوكهولم وبدل تعطيل يوم. وأبلغ الطبيب المحققين أنه تواصل مع عدد من الأطباء السوريين طالباً منهم تزويده بأسماء المناطق التي تحتاج إلى تنقية المياه، ثم اختار صحنايا الواقعة في ريف دمشق.
في اللقاء الثاني، حضر كريستوفر برفقة شخص آخر عرفه به على أنه خبير في تنقية المياه وقد طلبا منه في نهاية اللقاء أن يحضر خريطة جغرافية عن توزيع شبكة المياه في البلدة وطُلب منه التقاط صور لأماكن خزانات المياه والأماكن التي ستُستخدم لتكرير المياه. وبالفعل هذا ما حصل حيث سافر الطبيب ليلتقي رئيس بلدية صحنايا ويُخبره بالمشروع ويُحضر الصور والخريطة المطلوبة. أما اللقاء الثالث فحصل في براغ في تشيكيا على هامش مؤتمر يشارك فيه الطبيب حيث تعرف هذه المرة إلى مدير مشروع تنقية المياه المزعوم الذي أخبره أنه يوناني الأصل يُقيم في سويسرا ويُدعى بول، وحصل اللقاء في مطعم لبناني ليزود الطبيب الرجلين بالخرائط والصور.
تواصل مع عدد من الأطباء السوريين طالباً منهم تزويده بأسماء المناطق التي تحتاج إلى تنقية المياه
استمر التواصل بعدها مع مدير المشروع عبر تطبيق الواتساب ليجري الحديث في أمور العمل والحياة الشخصية والسياسة. وقد طُلب منه تزويدهم بتفاصيل حياة أهله وأشقائه والأعمال التي يُزاولونها سابقاً وحالياً وأرقام هواتفهم.
اللقاء الرابع حصل عام 2019 في إيطاليا بعدما طلب منه «صاحب المشروع» السفر إلى ميلانو على حسابه الخاص للقاء مسؤول في الاتحاد الأوروبي. دار خلاله حديث عن العقوبات على سوريا وكيفية تجنبهم هذه العقوبات في المشروع الخيري. في هذا اللقاء اقترح الطبيب على المسؤول المذكور تمويل معمل الإسمنت الذي يملكه والده، فأجاباه بأنه لا بد من تخفيض العقوبات الأوروبية قبل البدء بهذا المشروع. وفي نهاية اللقاء، نقده صاحب المشروع مبلغ 550 يورو بدل سفر وحجز فندقي. وبعد ستة أشهر حصل لقاء جديد في روما في إيطاليا. يذكر الطبيب أن الأحاديث كانت تتمحور حول حياته الخاصة أكثر من المشروع من دون أن يحصل أي تقدم، فسألهم عن السبب ليبلغوه بأن سبب ذلك مرده عدم القدرة على تجاوز العقوبات الأوروبية طالبين منه أن يصبر. في نهاية اللقاء، أعطوه 600 يورو بدل حجز فندقي وتذكرة سفر.
استمر التواصل مع «مدير المشروع» بمعدل مرة أسبوعياً حيث بدأ يتواصل مع والده وشقيقيه لؤي ومازن، علماً أن والده يدعى يوسف عمره 85 سنة يعمل في تجارة الحديد والإسمنت. في صيف 2019، حصل لقاء في سويسرا لمدة تقارب الساعة والنصف. وكانت الأحاديث خاصة عنه وعن إخوته. فأعرب الطبيب عن تذمره لأن هكذا حديث لا يستأهل السفر إلى سويسرا، فأجابه محدثه بأنه يعتبره صديقه ويُسر بالحديث معه بغض النظر عن المشاريع، ثم طلب منه خريطة شاملة لشبكة توزيع مياه دمشق، مبرراً ذلك بدراسة جدوى إقامة عدة مشاريع لتنقية المياه ثم نقده مبلغ 1200 يورو بدل تذكرة سفر وحجز فندقي ويوم تعطيل. يقول الطبيب إن شكوكاً ساورته حينها بسبب عدم تنفيذ أي من المشاريع. أخبر الطبيب المحققين أنه اعتبر أن طلبات صاحب المشروع كانت غير منطقية وغير مترابطة، لكنه تابع التواصل آملاً في أن تتضح الصورة لديه.
انقطعت اللقاءات بين الطبيب وصاحب المشروع منذ بداية عام 2020 بسبب جائحة كورونا ثم خفت وتيرة التواصل لتصبح مرة أو مرتين من باب الاطمئنان عليه وعلى أشقائه. في حزيران 2020، تكثف التواصل ليطلب صاحب المشروع منه تأسيس مكتب لشقيقه مازن في سوريا لإدارة العمل على أن يتكفل هو بتكاليف استئجار المكتب وتجهيزه. ثم طلب من الطبيب شراء حاسوب محمول وهاتف خلوي على أن توصل به شريحة خط سويدية، فعرض الأخير عليه شراء حاسوبه بمبلغ 300 يورو.
يقول الموقوف أنه حتى شهر تموز عام 2020 كانت جميع اللقاءات تتمحور حول مشروع تنقية المياه، لكن منذ شهر آب 2020 بدأ التحول الذي فهم عبره الطبيب طبيعة العمل الأمني. اتصل به بعدها عبر تطبيق الواتساب وطلب منه تحميل برنامج مخصص للتشفير وشرح له تفصيلياً الخطوات اللازمة. وطلب منه تفعيل تطبيق الواتساب على الخط السويدي على أن يتواصل منه مع شقيقه مازن الضابط في الجيش السوري.
بعدها طلب صاحب المشروع من الطبيب احتساب التكاليف لإعطائه إياها ثم التقيا في سويسرا، وحصل اتصال هاتفي بين الطبيب وصاحب المشروع من جهة وشقيقه مازن ووالده من جهة أخرى، وبعد أن اطمأن عليهم أبلغهم أنه سينقل التجهيزات معه إلى سوريا لبدء العمل. يقول الطبيب إنه انتقل بعدها ليُدخن السيجار مع صاحب المشروع الذي طلب منه تكثيف العمل في سوريا من أجل أن يقوم بتمويل مشروع معمل الإسمنت الخاص بوالده. وطبيعة العمل أن يقوم وشقيقه مازن بجمع معلومات يعتبرها مهمة عن مواضيع يقوم بتزويدنا بعناوينها. وأكد أن هذه الطريقة الوحيدة من أجل تمويل إعادة العمل في معمل الإسمنت. تفحص صاحب المشروع التجهيزات وبرنامج التشفير على الحاسوب وفعل بريداً إلكترونياً، كما زوده بكلمة المرور وتثبت من تفعيل تطبيق الواتساب على الرقم السويدي، وأعطاه كلمة مرور على قصاصة ورق طالباً منه إعطائها لشقيقه وأبلغه أنه ممنوع عليه تصويرها. وطلب منه تجربة إدخال مستند إلى برنامج التشفير ثم طلب منه تعليم هذه الخطوات لشقيقه مازن. ونبهه بأن يخبر شقيقه بأن الهاتف مخصص حصراً للتواصل معه عبر تطبيق الواتساب والإيميل، طالباً منه أن يُبقي الهاتف دائماً في المكتب. كما حذره من استعمال الحاسوب في أي أعمال أخرى. وأبلغه أن هذه الإجراءات هدفها عدم افتضاح أمر شقيقه لكونه سيُرسل له مستندات سرية، ثم أعطاه مبلغ 2500 يورو ثمن الحاسوب وشريحة الهاتف وتذكرة السفر إلى روما ومنها إلى سوريا عبر مطار بيروت الدولي. وأبلغ الطبيب المحققين أن صاحب المشروع، تصرف معه بطريقة مختلفة عن السابق، وكان يتوجه له بلغة الأمر. وأظهر جدية وصرامة لم يُظهرها في أي وقت سابق. وأنه اكتشف أن ما يسعى وراءه لا يمت إلى الأعمال الخيرية بصلة، إنما تبين له أنه كان يتواصل مع أحد ضباط الموساد الإسرائيلي الذي يسعى لمعلومات أمنية من أشقائه في سوريا، وأنه اتُخذ وسيطاً لإتمام مهمته كون تواصله مع أشقائه في سوريا لن يُثير الريبة والشكوك لدى الأجهزة الأمنية.
ويقول الطبيب في إفادته إنه فور وصوله إلى سوريا اجتمع بوالده وشقيقيه لؤي ومازن وأعلمهم أن ليس هناك أي مشاريع خيرية وأن الشخص الذي يتعاملون معه ضابط في الموساد الإسرائيلي. فجرى نقاش بينهم ثم قرروا متابعة التواصل والتعامل معه. وعلّم شقيقه مازن على كيفية استخدام الأجهزة حيث قام بتجربة إرسال ملف بعد تشفيره عبر أحد التطبيقات على الحاسوب بواسطة رمز المرور الذي زوده به المشغل.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه قد اتضح للمحققين أن الطبيب كان يكذب هنا، لكونه في إفادة لاحقة ذكر أنه قبض 6 آلاف يورو لنقلها إلى أشقائه ووالده لقاء بدء العمل. كما تبين أنه في اللقاء الذي جهز فيه المعدات حضر شابٌ أشقر مفتول العضلات بشعر خفيف يحمل حقيبة سوداء. أجرى فحصاً على الأجهزة الإلكترونية ثم استبدل فأرة الحاسوب بأخرى من دون شريط وأكد عليه أن تبقى دائماً مع الحاسوب.
استُكمل التحقيق مع الطبيب الموقوف الذي عاد واعترف أنه من أقنع شقيقه مازن بالعمل مع المشغل الذي كان يطلب منه الاستمرار بتحفيز شقيقه على استكمال العمل مقابل مبالغ مالية. وذكر أنه نقل مبلغ 1500 يورو لشقيقه. كما كان المشغل يُرسل هدايا لشقيقه مازن حيث كان ينقلها الطبيب معه عبر مطار بيروت. وأفاد الطبيب المحققين بأن ذلك حصل أربع مرات. أما الهدايا فكانت عبارة عن علب سيجار وقلم حبر وعلبة غليون وزجاجات عطر. وكان المشغل يرسل الهدايا لوالده وشقيقه الآخر وزوجته. كما أرسل مبالغ مالية مرتين لوالده، الأولى كانت 500 يورو والثانية 1200 يورو. وذكر أنه في مرة أخرى دفع له 1500 يورو ثم مبلغ 2300 يورو وزعها على شقيقيه ووالده. وفي مرة أخرى أعطاه مبلغ 6 آلاف يورو طالباً منه أن يعطي 4500 يورو منه لشقيقه مازن، و1500 يورو لشقيقه لؤي ووالده.
أما المهمات التي كُلِف بها شقيقه الضابط في الجيش، فكانت إرساله خرائط لبلديات تابعة لمدينة دمشق وريفها تتضمن تفاصيل عن الطرقات والأوتوسترادات والجسور. كما تواصل معه في إحدى المرات شخص يتحدث بلهجة أردنية طالباً منه جمع معلومات عن شخصين موجودين في سوريا.
من هو الطبيب العميل؟
يدعى الطبيب الذي جنّده الموساد للإيقاع بإخوته الضباط في الجيش السوري معين يوسف يوسف، من مواليد العام 1969 في اللاذقية على الساحل السوري. عاش مع أهله في بلدة دير إبراهيم في محافظة اللاذقية. ودرس في مدرسة الشهيد فايز منصور ثم نال شهادة البكالوريا في ثانوية ابن خلدون عام 1987. التحق بعدها بجامعة دمشق قسم الطب العام لغاية العام 1993، ثم درس سنتين اختصاص الجراحة في الجامعة نفسها قبل أن يسافر إلى السويد لمتابعة دراسته في اختصاص الأمراض الداخلية في إحدى جامعات استوكهولم لغاية عام 2005. درس بعدها اختصاص الكلى في جامعة eskel stona حتى عام 2008. بعد انتهاء تخصصه، عمل الطبيب معين في مستشفى ميلر في اسكل ستونا ويرأس حالياً قسم الكلى في المستشفى المذكور.
تزوج الطبيب معين من السيدة سيلفا من منطقة اللاذقية والتي تعمل مدرِّسة ورُزق منها ثلاثة أولاد. يعمل والده في تجارة الحديد والإسمنت ولديه شقيقان في الجيش السوري هما لؤي ومازن. تقاعد الأول برتبة عقيد عام 2010 فيما أحيل مازن على التقاعد بداية العام الحالي 2022 علماً أن مركز خدمته كان في قسم الطوبوغرافيا والمساحة.
من ملف : الموساد في دمشق: قصة الطبيب والضباط