IMLebanon

العدو يستعجل ترجمة «الإنجاز» قبل أن يتحقق!

 

لم تنه إسرائيل الشق العسكري من حربها على لبنان، وإن كانت، كما يبدو من التسريبات، تستعجل مع الولايات المتحدة «قطف ثمار» ما تريانه إنجازات عسكرية. يعني ذلك استمرار «الضغط العسكري»، وإن كان «بنك الأهداف» الإسرائيلي قد نفد بالفعل، وبات يتركز على عمليات قتل المدنيين وتدمير دورهم السكنية.

في الوقت نفسه، تواصل القوات الإسرائيلية «ما يمكنها فعله» على الحافة بهدم المنازل وتجريفها لمسافات مختلفة من السياج الحدودي، وهو ما تراهن تل أبيب على أنه سيؤدي إلى فائدة فورية وأخريين مستقبليتين: تتعلق الأولى بالجهد العسكري الهجومي والدفاعي في مواجهة قوات حزب الله المتمركزة بالقرب من الحافة، ومنعها من تجاوز الحدود بمساعدة الأماكن المبنية والمسارب فوق الأرض وتحتها، باتجاه المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود. أما ما يتعلق بالفائدتين المستقبليتين، فهما: طمأنة المستوطنين عبر إقامة حزام أمني واسع نسبياً يحول دون تجاوز أفراد حزب الله الحدود وتكرار عملية طوفان الأقصى على الحدود الشمالية. والثانية توظيف هذه المنطقة لاحقاً عبر المساومة عليها في بنود تخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية في أي عملية تسوية لاحقاً.

ويبدو من الحراك الإسرائيلي، الميداني والسياسي، كما يتسرّب في الإعلام العبري وما يصدر عن الكتبة الإسرائيليين، أن لدى تل أبيب «فترة سماح» لإنجاز المهمة العسكرية كي تتيح بعدها الفرصة أمام الأميركيين لترجمة الإنجاز العسكري اتفاقاً سياسياً. لكنّ الإنجاز كما يبدو غير محدد من الآن، شكلاً ومضموناً، وسيصار إلى هكذا «ترجمة» في اليوم الذي يلي الإنجاز العسكري، ما يستدعي من المراقبين انتظار ما يلي، علماً أن النتائج لا ترتبط فقط بما يرغب به الجانبان الإسرائيلي والأميركي ويريدانه ويسعيان إليه، إذا إن الميدان نفسه لا يشير إلى أن حزب الله يتلقّى الفعل فحسب، بل هو أيضاً في موقع المبادر إلى رد الفعل والفعل، رغم كل الضربات التي تلقّاها وكانت محل رهان إسرائيلي مبالغ فيه.

وتأتي تصريحات رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حول ضرورة إخلاء قوات اليونيفل جنوب لبنان ومنطقة العمليات العسكرية، لتظهر وجهة المسار والنتيجة التي تريدها إسرائيل للاتفاق اللاحق الذي تريد بلورته على خلفية عملياتها العسكرية في جنوب لبنان، وهو تغيير هوية اليونيفل وصلاحياتها واستبدالها بقوات متعددة الجنسيات تعمل وفق تفويض كامل وصلاحيات مطلقة ضد المقاومة وبنيتها التحتية وأفرادها، وأي محاولة لاحقاً لترميم قدراتها، بالأصالة والوكالة عن إسرائيل، وهو ما يمكن استشرافه من تصريحات نتنياهو ومن المواقف والتصريحات وما يرد في الإعلام العبري من تسريبات.

في الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، كان مطلب القوات المتعددة الجنسيات هو المقصد والهدف وتركيز الجهد الحربي والضغط العسكري والسياسي، لدى تل أبيب وواشنطن، إلى ما قبل بلورة اتفاق التسوية على القرار 1701، بعد أن «استسلم» الجانبان لمعادلات الواقع والميدان وفقدان القدرة على فرض الإرادات. ويبدو أن هذا المطلب يعاد إحياؤه من جديد، مع تلهف واستعجال لتحقيقه في تل أبيب وواشنطن وكذلك من بعض الداخل اللبناني المتلهّف أكثر من الإسرائيلي والأميركي.

بالعودة إلى الجهد العسكري الإسرائيلي، وتحديداً على الحافة، من المفترض نظرياً، ووفقاً لتوقعات في تل أبيب وواشنطن، أن تنتهي العمليات خلال أسبوع أو اثنين، ليصار إلى استثمار النتيجة سياسياً. والمفارقة أن الفترة الزمنية هذه تمت الإشارة إليها قبل أسبوع أو اثنين عندما بدأ التوغل البري المحدود. وهو ما يستوجب التأمل كثيراً في الفروق بين ما يراد وما يتحقق، ما يعني أيضاً وجوب انتظار النتيجة النهائية، التي لن تكشف نفسها إلا مع انكشاف غبار المعركة، رغم كل البيانات والديباجات التي تصدر عن الناطق العسكري باسم الجيش الإسرائيلي تحت إشراف الرقيب العسكري.

ومن المفيد الإشارة إلى أن تصريحات نتنياهو جاءت رداً على الانتقادات الغربية لهجمات الجيش الإسرائيلي على القوات الدولية، وذلك عبر «الديباجة» الإسرائيلية المعتادة بأن حزب الله يتخذ من القوة «دروعاً بشرية»، تماماً كما كانت عليه الديباجة نفسها في غزة. وإذ طالب نتنياهو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإخراج قواته من «منطقة الخطر»، وفقاً للسبب المشار إليه، إلا أن التفسير الذي ساد لدى المعلّقين بأن هكذا مطالبات هي مقدّمة لطلب تغيير القوات الدولية بقوات متعددة الجنسيات، هو تفسير لا يخرج عن دائرة المعقولية، بل هو المنتظر في مرحلة محاولة إسرائيل والولايات المتحدة فرض الشروط السياسية على خلفية ما تريانه إنجازات عسكرية على الأرض.

في الوقت نفسه، امتناع نتنياهو عن الحديث مباشرة عما يريده، وترك توضيح الإرادة لتفسيرات المعلّقين، يشيران إلى أن إسرائيل «تعلّمت درساً»، عام 2006، بأن لا تستبق النتيجة قبل أن تحقق مقدّماتها الكافية، وإن كانت شهية «الإنجازات» هذه المرة واسعة، قياساً بما سبق.