أعلنت واشنطن الأسبوع الماضي عن مقتل زعيم حركة «طالبان» الملا أختر منصور في غارة جوية نفذتها طائرة من دون طيار (درون) في منطقة بلوشستان. وعقَّب «البنتاغون» على الخبر بالقول إن الرئيس باراك أوباما هو الذي أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ عملية الاغتيال. واعتبر وزير الخارجية جون كيري أن وزارة الدفاع استهدفت زعيم «طالبان» لأنه كان يمثل تهديداً للطاقم الأميركي وللقوات المدنية في أفغانستان.
ونشرت صحيفة «الشهادة» الناطقة باسم «الحزب الإسلامي الأفغاني» بياناً لحكمتيار، رئيس وزراء أفغانستان السابق، يتهم فيه إيران بالتواطؤ مع الاستخبارات الأميركية، لإرشادها إلى السيارة التي كانت تقلّ الملا منصور. وبعد مرور أقل من 24 ساعة على الحادث، أعلنت «طالبان» اختيار زعيم جديد هو الملا هيبة الله أخندزاده، النائب الأول السابق لمنصور. كما انتُخِب نائبان له هما سراج الدين حقاني والملا محمد يعقوب، نجل مؤسس الحركة الملا محمد عمر.
وفسرت مصادر مطلعة سبب السرعة التي تمت فيها عملية الاختيار بأنها ناتجة من قرار قيادة «طالبان» بضرورة فصل سياسة الحركة عن توجيهات الاستخبارات الباكستانية التي كانت تشرف على التنظيمات السياسية في أفغانستان.
المهم في هذا الموضوع هو الحرب الصامتة التي تخوضها الإدارة الأميركية بواسطة الطائرات غير المأهولة… أو التي تحلق نحو هدفها من دون طيار (درون). وفي نهاية الأمر، تحتاج كل عملية إلى موافقة رئيس الجمهورية الذي يفاخر بأنه يتحاشى تعريض الجنود لخطر المواجهات العسكرية.
سيد البيت الأبيض الذي تنتهي ولايته الثانية هذه السنة، وضع لخلفه نموذجاً للتعامل مع الحركات الإرهابية يقضي باغتيال القادة ممن تعتبرهم الولايات المتحدة خطراً على أمنها وأمن حلفائها. وكان ذلك يتم غالباً بواسطة الطائرات من دون طيار.
والطريف أن مخترع هذا الطراز في مجال مكافحة الإرهاب عام 1982 كان ضابطاً سابقاً في جيش الدفاع الإسرائيلي. وقد أطلق على هذا السلاح الجوي اسم «بريداتور»، ومعناها «الضاري… المفترس». كل هذا بغرض تخويف سكان قطاع غزة الذين كانوا يستخدمون الصواريخ المحلية الصنع لمقاومة جرافات الاستيطان.
وعلى رغم حملات الاعتراض والاستنكار المطالبة بضرورة تحريم هذا السلاح الفتاك، إلا أن الجيش الإسرائيلي ظل يستخدمه لتصفية رموز «حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»القسّاميين»، أي أتباع عزالدين القسّام.
ولا بد في هذا السياق من التذكير بأن حركة الشيخ عزالدين القسّام كانت من أقوى حركات النضال الفلسطيني، وأكثرها تأثيراً على البريطانيين الذين عرفوا بحماية المهاجرين اليهود.
وقد عُرِفَت تلك الحركة بـ «القسّاميين» نسبة إلى اسم رئيسها الشيخ عزالدين القسّام وهو من أصول سورية، ومن قرية صغيرة قرب اللاذقية. ويروي اميل الغوري عنه الشيء الكثير في كتاب صدر عن «دار النهار» تحت عنوان «فلسطين».
ظهر اسم هذا الشيخ للمرة الأولى أثناء مشاركته في أعمال الجهاد ضد الانتداب الفرنسي في سورية. وبسبب المضايقات التي تعرض لها، قرر الانتقال إلى حيفا حيث احتضنه الحاج أمين الحسيني، وعيّنه مدرساً وواعظاً في «جامع الاستقلال» الواقع في وسط مدينة حيفا. وبعد مضي وقت قصير، انضم عزالدين القسّام إلى «الحركة الوطنية الفلسطينية»، وأصبح أحد الأعضاء البارزين في اللجنة التنفيذية. ولما قرر الحاج أمين الحسيني إنشاء تنظيم سري، عهد بهذه المهمة إلى الشيخ عزالدين الذي بنى عقيدة التنظيم على أسس مختلطة بين الشعور الديني والجهاد الوطني.
وقد تعمَّد هذا الشيخ اختيار أعضاء التنظيم وفق شروط قاسية. كذلك أحاط العمليات التي ينفذها عناصره بالسرية والكتمان. ولم ينكشف سر الشيخ عزالدين وإخوانه «القسّاميين» إلا بعد مرور خمس سنوات على إنشاء تنظيمهم. أي عندما قرر إعلان الثورة على الإنكليز في الذكرى 18 لصدور إعلان بلفور. وكان ذلك في خريف 1935. ويذكر اميل الغوري في كتابه أن عزالدين القسّام قاد بنفسه عدداً من مقاتليه في حملة ضد القوات البريطانية في منطقة جنين داخل أحراش «يعبد».
وحدث أن علم بانطلاقة الثورة أحد ضباط الأمن العام الفلسطيني يدعى أحمد نايف، الذي أبلغ القوات البريطانية بالأمر. وعلى الفور أرسلت القيادة فرقة مسلحة طوّقت الشيخ وقتلته مع بعض المجاهدين. وكان من نتيجة خيانة الضابط أحمد نايف أن اغتيلَ في مدينة حيفا انتقاماً بواسطة أربعة عناصر تابعين لتنظيم «القسّاميين».
ولما اندلعت ثورة فلسطين في نيسان (أبريل) 1936، انضم «القسّاميون» إليها، وظلوا منذ ذلك الحين مستمرين في عمليات الجهاد، الأمر الذي جعلهم هدفاً دائماً لـ «الموساد». وعندما باشر الإسرائيليون استخدام طائرات «درون» ضد المقاومين الفلسطينيين، كان عناصر «القسّام» أكثر الضحايا عدداً.
ولأسباب تتعلق بموقف الرئيس باراك أوباما، وإصراره على ضرورة إبعاد العنصر البشري عن مخاطر المجابهات المباشرة، حرص البنتاغون على جعل طائرة «درون» عنصراً أساسياً من عناصر أسطوله الجوي. وأعلن وزير الدفاع عن وجود ثمانية آلاف طائرة من هذا الطراز تشكل اليوم أدوات الاغتيال الناشطة في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق والصومال وليبيا.
وذكرت قيادة حلف الناتو أنها استخدمت هذه الطائرة في أكثر من خمسين طلعة. كذلك استخدمها الجيش الفرنسي في مالي عام 2013. وهناك أكثر من 13 مطاراً عسكرياً تنطلق منها هذه الطائرة لتنفيذ مهماتها، بينها: مطار أنجرليك في تركيا، وجلال آباد في أفغانستان، والعديد في قطر، والعند في اليمن، وقاعدة «كامب ليمونييه» في جيبوتي وأربا مينش في إثيوبيا.
من أكثر المرات التي أوقعت هذه الطائرة أضراراً بالإرهابيين كان في الصومال يوم استهدفت معسكراً لتدريب عناصر حركة «الشباب». وأدَّت هذه الغارة إلى مقتل أكثر من 150 متمرداً كانوا يستعدون لتنفيذ هجوم واسع النطاق.
وعلقت ليزا موناكو الناطقة الرسمية على ذلك الحادث بالقول: «إن قرار الرئيس أوباما اتخذ من أجل الحفاظ على شرعية جهودنا لمكافحة الإرهاب، والدعم الواسع لحلفائنا».
واعترضت جماعة حقوق الإنسان على تفسير ليزا، مطالبة بإخضاع قرار الرئيس لرقابة أكثر صرامة من قِبَل الكونغرس، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بعمليات قتل جماعي يموت فيها أبرياء. تماماً مثلما حدث في أفغانستان يوم أخطأت الطائرة الهدف وألقت قنابلها على مدرسة للأطفال. ووفق معلومات رسمية، أورد مكتب التحقيق الصحافي في لندن أن من بين 3460 قتلوا في باكستان بواسطة طائرات من دون طيار، هناك 891 مدنياً.
عقب إعلان حكومة ديفيد كامرون عن زيادة الأرصدة المخصصة لبرنامج الطائرات من دون طيار، تجمع متظاهرون قرب قاعدة جوية احتجاجاً. والسبب أن الحكومة وافقت على نقل محطة التحكم من نيفادا في الولايات المتحدة إلى «لينكونشاير» شرق بريطانيا. علماً أن الهدف من كل ذلك هو تعزيز قوات التحالف في أفغانستان، حيث ينتشر تسعة آلاف جندي بريطاني.
منذ تعرضت بلجيكا لعمليات إرهابية واسعة زعزعت أمنها وهددت سلامة ميناء «أنتويرب»، أشهر الموانئ الأوروبية، والحكومة ماضية في تحديث أجهزتها الدفاعية بطريقة تسمح بمقاومة الجماعات المتشددة.
وأعلن وزير الدفاع ستيفن فاندبوت، أن الجيش البلجيكي باشر في استخدام طائرات من دون طيار (درون) بهدف حماية الموانئ والمطارات ومختلف المواقع الحيوية والاستراتيجية.
عقب عرض فيلم «عين في السماء» ازدادت انتقادات الأكاديميين والمحامين وخبراء المجالس التشريعية لهذا الطراز من الطائرات المعفى من تراخيص العمل الرسمية وهيئات النقل وجمعيات الحفاظ على القوانين. ويركز مخرج الفيلم غافين هوود (من جنوب أفريقيا) على الجانب المناقبي لعمليات استخدام الطائرة من دون طيار. ومن أجل حماية الأبرياء، يبرز هذا المخرج دور فتاة تبيع الخبز في حي تسيطر عليه حركة «الشباب» الصومالية المتطرفة. وهنا تتفاعل قوى الخير والشر في صدور المولجين بتنفيذ عملية ضد إرهابيين ينتمون إلى حركة محظورة. وقد ترددوا في ارتكاب خطأ قد يقضي على الفتاة البريئة، بائعة الخبز.
خلاصة القول إن قادة الـ «سي آي أي» هم الذين استنبطوا المخرج القانوني الذي يريح رئيس الجمهورية من حرج انتزاع الاعترافات واستجواب المشكوك فيهم أمام المحاكم المختصة.
ويبرر أصحاب نظرية مكافحة الإرهاب هذا المنحى بالقول: إن الاغتيال أفضل من الاعتقال. والسبب أنه يجنب الرئيس الطرق القانونية المعقدة التي تنتهي عادة بتبرئة المجرم، أو تسليم المتهمين الغرباء إلى بلدانهم المعروفة بإساءة معاملة الإرهابيين.
بعد ازدياد عمليات الاحتجاج ضد غارات الطائرة من دون طيار (درون) قررت الدول الغربية – خصوصاً الولايات المتحدة – إخضاع قائمة المستهدَفين لمراقبة الأجهزة الأمنية، قبل تنفيذ المهمة. وهذا معناه الاشتراك في قرار التصفيات ضد كل الأعداء المحتملين. كما يعني أيضاً أن أوباما لن يحمل وحده تبعات قتل أناس أبرياء.
قبل شهر تقريباً كشف موقع «ذي انترسبت» (المعترض) عن معلومات سرية تتعلق بالأخطاء التقنية التي تسببها الطائرات من دون طيار أثناء مطاردة الإرهابيين. وكانت جماعات حقوق الإنسان قد زودت هذا الموقع بوثائق حساسة للغاية تتعلق بعدد الضحايا الأبرياء في صفوف المدنيين. وهي تتوقع استحداث تشريعات تنظم عمل هذا السلاح الفتّاك بعد خروج أوباما من البيت الأبيض.
ولكن الرهان على خلفه قد يكون خاطئاً أيضاً بدليل أن الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون كانت أكثر المتحمسين في الإدارة لعملية اغتيال أسامة بن لادن.
أما في حال نجح دونالد ترامب، فإن العالم سيترحم على جورج بوش وباراك أوباما…
* كاتب وصحافي لبناني