أحيت إسرائيل ذكرى عدوان تموز، بحسب التقويم العبري، برسائل مزدوجة: ردعية إلى لبنان، ومطمئنة للداخل، مع التشديد على تعاظم قدرات حزب الله الذي يراكم خبرات قتالية «تفتقدها أكثر برامج التدريب صرامة» في الجيش الإسرائيلي
حلت الذكرى العاشرة لعدوان تموز مبكراً هذا العام في إسرائيل، لأن 2016 ــــ بحسب التقويم العبري المستند إلى دورة القمر ــــ سنة كبيسية. لذلك يُضاف إليها شهر لتصبح 13 شهراً، لتعويض تخلف التقويم القمري عن الميلادي عشرة أيام في السنة.
وقد أحيت إسرائيل، قبل أيام، الذكرى في حفل رسمي شاركت فيه عائلات قتلى الجيش. وبالتزامن، شهد الإعلام العبري في الأيام القليلة الماضية، (وقد يشهد أيضاً في الأسبوعين المقبلين)، زيادة في منسوب التصريحات والمواقف والتقارير عن “الحرب المقبلة” بين إسرائيل وحزب الله. لكن هذه الزيادة لا تحمل جديداً: من جهة، رسائل ردعية إلى الساحة اللبنانية، ومن جهة أخرى كثير من الطمأنة للداخل بالحديث عن استعدادات الجيش وتدريباته ووسائله القتالية، واستعراض سيناريوهات الحرب، مع التأكيد أنها لا تقاس بالحرب الماضية، بسبب تعاظم قدرات حزب الله العسكرية والتجربة القتالية التي راكمها في سوريا. وهذا ما يستدعي “نزول” توقعات الجمهور إلى أرض الواقع لتتماشى مع التقديرات حول قدرات العدو (حزب الله) وإمكاناته.
ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر في المؤسسة الأمنية أن “الحرب المقبلة ستشهد أضراراً واسعة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولن تكون مشابهة بأي شكل من الأشكال للحروب السابقة”. فيما نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست”، عن قيادة “اللواء 300” المسؤول عن القطاع الغربي من الحدود مع لبنان، أن التهديد الذي يشكله حزب الله تغير في شكل كبير جداً عمّا كان عليه عشية حرب 2006. ومع أن التقرير استعرض استعدادات الجيش للسيناريوهات المختلفة في مواجهة الحزب، إلا أن قيادة اللواء حذرت في المقابل من القدرة القتالية الموجودة حالياً لدى مقاتلي الحزب، بعد مرور عشر سنوات على العدوان، إذ “بات مقاتلوه أكثر تسلحاً وتدريباً وقدرة على مقارعة الجيش الإسرائيلي”. ونسب إلى نائب قائد اللواء أن “حزب الله أكثر قوة من ناحية الوسائل القتالية والقدرات، ومقاتلوه يكتسبون يومياً خبرة قتالية في الميدان السوري لا يكتسبها جنودنا هنا (…) الخبرة العسكرية التي يراكمها عناصر الحزب في سوريا يصعب على الجنود الإسرائيليين تلقيها، حتى في أكثر برامج التدريب صرامة”.
إذاعة الجيش الإسرائيلي ركزت من جهتها على التقديرات السائدة لدى المؤسسة العسكرية عن احتمال نشوب مواجهة واسعة، لافتة إلى أن التقديرات تؤكد، من جديد، أن الهدوء الأمني على الحدود سيستمر، وهو يُعزى إلى عاملين اثنين: “غرق” حزب الله في “المستنقع السوري” ومشاكله الاقتصادية، إضافة إلى عامل الردع الإسرائيلي الذي يحول دون تفعيل قدراته هجومياً. مع ذلك، تضيف التقديرات عوامل أخرى، من بينها مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية، ما تفرض عليه مسؤولية عدم الانجرار نحو حرب، إضافة إلى الواقع الجديد في المنطقة، حيث للجانب الروسي دور في الكبح ومنع مسبق للمواجهة.
إلا أن تقرير الإذاعة لم ينف فرضية موجودة دائماً على طاولة التقدير والقرار في تل أبيب، وهي تتعلق “بإمكان أن تتطور حادثة أمنية محدودة إلى مواجهة شاملة”. وبحسب مصادر في الجيش الإسرائيلي، فإن “السؤال من هذه الناحية يصبح ليس إن كانت المواجهة ستقع، بل متى ستقع”. ولإضافة الصدقية على تقديرها، تشير المصادر إلى ما “ورد على لسان (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله بعد الأحداث الأخيرة من أن قواعد الاشتباك قد تغيرت”، في إشارة منها إلى الرد الحتمي، وخارج مزارع شبعا، على الاعتداءات الإسرائيلية.
ومع تأكيد تعاظم قدرات الجيش الإسرائيلي في السنوات العشر الماضية، لفتت الإذاعة العسكرية إلى أن الطرف الثاني (حزب الله) تطور كثيراً، و”هناك إجماع لدى المؤسسة الأمنية على أن الحرب المقبلة ستسبّب أضراراً جسيمة، بشرية ومادية، لا يمكن قياسها بأضرار الحروب السابقة”.
وكانت صحيفة “معاريف” قد أشارت إلى أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية اطلع، في جلسة خاصة لتقويم الأوضاع الأمنية مطلع الأسبوع الماضي، على تقارير عن الجاهزية للحرب المقبلة. وجرى التشديد في الجلسة التي شارك فيها افيغدور ليبرمان، بوصفه وزيراً للأمن، على أن “العدو الأصعب لإسرائيل هو حزب الله”. وبحسب تقويم الوضع، فـ”لدى قوس الأعداء، من إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزة، أكثر من 220 ألف صاروخ، أكثر من نصفها في حوزة الحزب، وهو التنظيم الذي مرّ بمسار كبير جداً من بناء القوة العسكرية، وتحوّل من منظمة حرب عصابات إلى جيش بكل ما للكلمة من معنى”. ولفت العرض المسهب أمام الوزراء إلى أن عديد حزب الله النظامي يصل إلى 20 ألف مقاتل، يضاف إليهم 25 ألفاً من الاحتياط، مع “وجود وحدات خاصة بحرية وطائرات غير مأهولة… وهو تنظيم يطور قدرات تتعلق بالحرب الإلكترونية، ويتنصت على أجهزة الاتصالات (الإسرائيلية)، كذلك فإنه حسّن من قدراته الاستخبارية”.
ضابط يتهيّأ للحرب المقبلة: حفرتُ مخبأً لعائلتي
كشف الجيش الإسرائيلي، أمس، عن مناورة غير مسبوقة تتعلق فرضيتها بإجلاء مستوطنين قبل تفعيل حزب الله خطة احتلال الجليل. وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية للقناة الثانية العبرية إن المناورة لم تأتِ من فراغ وبلا أسباب، وهي كغيرها من المناورات تقرَّر وتنفَّذ وفقاً لحجم التهديد وأنواعه، لافتاً إلى أنها المرة الأولى التي يناور فيها الجيش على إخلاء مستوطنين، وتحديداً من الجليل الأعلى إلى غور الأردن، حيث سيبقون هناك عدة أيام، وفقاً لسيناريو المناورة.
وفي موازاة المناورة وبمناسبتها، حادَثَ موقع «واللا» الإخباري ضابطاً في الاحتياط يسكن في إحدى المستوطنات القريبة من الحدود، عبّر عن خشتيه من الحرب المقبلة وسيناريوهاتها المفترضة، وقال: «لا شك لديّ في أن حزب الله سيحاول وسينجح باحتلال مستوطنات، وبسبب ذلك أعددت مخبأً لي ولعائلتي عبر حفر حفرة كبيرة تحت الأرض ووضعت فيها مواد غذائية وحاجات تكفي للمدة التي يبقى فيها حزب الله في الجليل». وبحسب الضابط الذي رفض ذكر اسمه، وانما فقط ترميزه بالحرب «س»، فهو لا يثق بأحد، وعلى قناعة بضرورة الاعتماد على النفس. وأضاف: «مقاتلو حزب الله سيحاولون وسينجحون، إذ لا توجد جاهزية لدى الجيش. هي موجودة فقط في التصريحات والكلمات لا غير. هم (في حزب الله) يقولون ويفعلون، أما نحن فنتحدث ولا نفعل إلا القليل».