لم يعد خافيا ان حزب الله يمارس مؤخرا اقصى درجات ضبط النفس بالتعامل مع الاستفزازات الاسرائيلية المتصاعدة وآخرها استهداف عمق الضاحية الجنوبية حيث تم اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي وقائد الحركة في الضفة الغربية صالح العاروري.
كثيرون قد يستغربون هذه السياسة التي لم يعتادوها من الحزب حتى انهم لم يكونوا يتوقعون امتلاكه هذه القدرة على امتصاص الصدمات والصفعات… فلماذا يقاتل الحزب كما قال امينه العام “بحسابات مضبوطة” ولماذا يتفادى الحرب الشاملة؟
تشير مصادر قريبة من الحزب الى ٣ عوامل تجعله يتفادى سيناريو الحرب الواسعة ويبذل الجهود القصوى لحصرها بجبهة الجنوب. العنصر الاول يكمن في أن تل ابيب هي التي تريد الحرب وتسعى اليها وتقوم بكل ما يلزم لجر لبنان اليها، وبالتالي الحزب لن يعطيها ما تريده، بل بالعكس سيواجه كل هذه المحاولات لاحباط المخطط الاسرائيلي الذي يعتبر انه ما دامت اسرائيل في حالة حرب فالافضل دفع واشنطن الى مواجهة كبيرة تقلص قدرات ودور ونفوذ حزب الله. وتشدد المصادر على ان الحرب لا تكون بتوقيت تل ابيب ولا بحسب رغبتها.
اما العنصر الثاني الذي يجعل الحزب ملتزما الى حد بعيد بقواعد الاشتباك رغم اصرار العدو الاسرائيلي على خرقها دون تردد لجره الى الحرب الواسعة، فهو انه يعتبر ان حصر المواجهات بجبهة الجنوب يؤدي الاهداف المطلوبة منه لجهة دعم المقاومة في غزة، اشغال الجيش الاسرائيلي والضغط لوقف الحرب على القطاع. وتقول المصادر: “حاليا كل العيون شاخصة على فلسطين واي حل مقبل سيتناول القضية الفلسطينية بشكل اساسي. اما اذا توسعت الحرب وشملت لبنان والمنطقة فعندئذ سيكون الحديث عن تسوية اقليمية وبالتالي ستذوب القضية الفلسطينية في تسويات تشمل المنطقة”.
ونصل الى العامل الثالث، الا وهو اقتناع حزب الله بأن اي توسيع للمواجهات لبنانيا لن يبقى محصورا في لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة، بل سيشمل جزءا كبيرا من دول المنطقة وستكون حربا كبيرة نعرف كيف تبدأ لكننا لا شك لا نعرف كيف تنتهي. وتقول المصادر: “هنا يندرج ايضا الوضع الداخلي اللبناني الهش جدا باعتبار ان البلد فاقد كل مقومات الصمود الاقتصادي والاجتماعي بوضع السلم فكيف الحال بوضع الحرب الكبرى”.
لكن كل ما سبق لا يعني ان حزب الله لا يستعد لأسوأ السيناريوهات، لعلمه بأن ضربة اسرائيلية ما قد تنسف كل المعادلات القائمة وتضرب عرض الحائط سياسة ضبط النفس المعتمدة. فبنهاية المطاف هناك خطوط حمراء لن يسمح حزب الله بتجاوزها وابرزها تنفيذ ضربات جديدة على الضاحية الجنوبية تقتل مدنيين او حتى مواصلة عمليات اغتيال قيادات محور المقاومة على الأراضي اللبنانية.
وتبقى الضغوط الاوروبية والاميركية الممارسة على اسرائيل العنصر الاهم في كبح الجموح الاسرائيلي باتجاه توسيع رقعة الحرب. اذ بات واضحا ان الموفدين الدوليين باتوا على قناعة ان اي ضغوط يجب ان يمارسوها لتفادي سيناريو الحرب الشاملة يجب ان تشمل حصرا اسرائيل باعتبار ان موقف حزب الله واضح وصريح ومفاده انه سيبقي جبهة الجنوب مفتوحة حتى الوقف النهائي لاطلاق النار في غزة كما انه لا يعنيه على الاطلاق كسر قواعد الاشتباك بما يمهد لحرب كبرى. وتقول المصادر: “لذلك هؤلاء الموفدين وبخاصة اؤلئك الاميركيين وآخرهم مستشار الرئيس الاميركي آموس هوكشتاين باتوا يتخذون من تل ابيب وجهة اساسية لضمان نجاح مهمتهم بعدم توسعة نطاق الحرب لانهم يعلمون ان لبنان لا يريد اصلا هذه الحرب وان حزب الله ليس بصدد البحث والنقاش في أي حلول للوضع في الجنوب قبل انتهاء الحرب على غزة اي ان طرح تحييد لبنان في هذه المعركة طرح ساقط في مهده”.