IMLebanon

الغارة الإسرائيليّة وتداعياتها واحتمالات الردّ عليها

 

جاءت عملية القنيطرة التي استهدفت فيها اسرائىل موكبا يضم قيادات من حزب الله ومن الحرس الثوري الايراني بعد ايام قليلة من المقابلة الشاملة التي اجراها تلفزيون الميادين مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وكأنها عملية اسرائىلية خططت لها القيادة الاسرائىلية في الاطار الرد المباشر على ما ورد في المقابلة من توعّد لاسرائىل بالرد على غاراتها داخل الاراضي السورية مستهدفة شحنات صواريخ معدة للشحن لصالح الحزب. وكان السيد نصرالله قد تكلم باسهاب عن معادلة الردع التي يمتلكها الحزب ضد اسرائيل كما شدّد على امرين: الاول قدرات الحزب لنقل المعركة الى الجليل وما بعد الجليل والثاني امتلاك الحزب الصواريخ الفاتح – 110وقدرتها على اصابة كل الاهداف في طول وعرض اسرائىل، والان تأتي الغارة الاسرائىلية في الجولان بمثابة اختبار لقرارات قيادة حزب الله في استعمال قدراته العسكرية ا لتي تحدث عنها السيد نصرالله من اجل الثأر من هذه العملية المؤلمة والغادرة والغالية الثمن على الحزب والقيادة الايرانية.

تشكل هذه العملية تطورا خطيرا على جبهة الجولان سواء في المواجهة الحاصلة مع «جبهة النصرة» او الوية المعارضة المسلحة الاخرى وايضا مع اسرائيل خصوصا في ظل المعلومات التي تتحدث عن تعاون وثيق قائم بين الجيش الاسرائيلي «وجبهة النصرة» منذ احتلالها لمعبر القنيطرة.

ستؤدي نتائج هذه الغارة والصدمة التي احدثتها الى مزيد من الارباك العسكري والاستراتيجي بالنسبة للنظام السوري ولقيادة حزب الله على حد سواء. لكن حدوث هذه الغارة يجب ان لا يكون مفاجئا للنظام والحزب حيث تحدثت وسائل الاعلام قبل شهرين عن انتشار لحزب الله على جبهة الجولان، كما تحدثت بعض التقارير الاعلانية بأن اسرائيل تراقب عن كثب هذا الانتشار، وتساورها هواجس من امكانية فتح جبهة جديدة بينها وبين الحزب كامتداد لمزارع شبعا والتي كانت قد شهدت كمينا نفذه الحزب ضد دورية اسرائىلية قبل اسابيع معدودة، وكان يمكن وضع هذه الغارة في سياق الغارات الجوية السابقة التي نفذتها اسرائيل داخل سوريا لولا الصدمة الكبيرة العسكرية والمعنوية التي نتجت عن مقتل هذا العدد الكبير من القياديين. يبدو بأن اسرائيل كانت على علم بوجود هؤلاء القياديين البارزين في الموكب المستهدف وهذا الامر يطرح تساؤلات حول امكانية وجود خرق امني اسرائيلي على الارض، او امكانية اجمع معلومات عن زيارة مثل هذا الوفد الرفيع المستوى لمواقع على جبهة الجولان بواسطة الرصد الاليكتروني الدائم الذي تقوم به القاعدة الاسرائيلية القائمة في قمة جبل الشيخ، مع الاشارة الى ان المواقع الاسرائيلية هناك تملك القدرة على اعتلام الموكب من نقطة انطلاقه في ضاحية دمشق ومتابعة مساره على طول الطريق باتجاه القنيطرة.

يؤدي اي تقييم موضوعي للغارة ونتائجها الى مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات وابرزها:

– اولا: تراقب اسرائيل عن كثب مجريات الحرب السورية، وخصوصا في ظل التدخل الكثيف لحزب الله وللحرس الثوري الايراني ومعه الميليشيات الشيعية العراقية والافغانية ويبدو بان اسرائيل لا تنظر بعين الرضى الى هذا الحشد الكبير الذي يعمل على الحفاظ على سوريا في قلب المعادلة التي يمثلها محور المقاومة بقيادة ايران، وتجند سوريا تغيير النظام السوري، على شرط ان يحل مكانه نظام جديد يرغب في توقيع اتفاقية سلام معها، مع الامل ان تستكمل هذه العملية باضعاف حزب الله في لبنان، وفتح المجال لتوقيع اتفاقية سلام ايضا مع لبنان.

ثانيا: ستقاوم القيادة الاسرائيلية اية محاولة لانتشار حزب الله ومعه الحزب الثوري على جبهة الجولان، وهي تعتبر ان هذا الانتشار يعني فتح جبهة عسكرية جديدة وخطرة، خصوصا في ظل غياب اية ضوابط لقواعد الاشتباك بعد سقوط اتفاقية الفصل في الجولان وانسحاب قوات «اندوف» التابعة للامم المتحدة من مواقعها على طول خط الفصل.

ثالثا: يمكن النظر الى الغارة على الموكب والصدمة التي احدثتها خسارة هذا العدد من القادة المهمين بانها ضربة استباقية وتحذير شديد للحزب ولايران بأن اسرائيل لن تسمح لهما بحشد قواتهما في المنطقة الموازية لخط الفصل في الجولان، وبانها مصممة على التصدي عسكرياً لمثل هكذا خيار.

رابعاً: يمثل هذا التطور الميداني مجازفة بالنسبة للحزب ولاسرائيل، حيث يمكن ان يقود الفعل ورد الفعل الى حصول سوء تقدير من قبل اي من الطرفين، يؤدي الى حدوث مواجهة واسعة لا يريدها اي منهما، وذلك على غرار ما حدث في تموز 2006، حيث انزلق الطرفان الى خوض حرب واسعة دامت 33 يوماً. وهنا يبدو من المنطقي التساؤل عن مدى استعداد اسرائيل لمواجهة قدرات حزب الله النارية، والتي تحدث عنها باسهاب السيد نصرالله في مقابلته مع تلفزيون الميادين قبل أيام. وتقدر الاستخبارات الاميركية بأن حزب الله بات يمتلك مخزوناً من الصواريخ المختلفة، يصل الى خمسين ألفا مع تأكيد امتلاكه لصواريخ يتعدى مداها 200 كيلومتر.

تطرح تأكيدات السيد نصرالله الاخيرة على ان المقاومة هي قادرة وجاهزة للرد على الاعتداءات الاسرائىلية المنفذة داخل الاراضي السورية، اسئلة عديدة حول نية حزب الله للرد، وحول طبيعة ومكان وزمان هذا الرد. هل يمكن ان يرد الحزب من جبهة الجولان، ام من مزارع شبعا، ام انه سيلجأ الى الرد عبر عملية امنية تنفذ ضد هدف اسرائيلي مهم في الخارج؟

ان الرد على العملية من جبهة الجولان هو مستبعد، وذلك لان القرار يبقى بيد قيادة النظام السوري، والذي يدرك مدى خطورة تبعات ذلك على امنه وبقائه، سيدفع مثل هذا الرد من داخل الاراضي السورية القيادة الاسرائيلية الى شن غارات كثيفة ضد النظام ومواقعه حول دمشق، وسينتج عن ذلك اضعاف قدرات النظام على الدفاع عن العاصمة وضواحيها، وسيفتح في المجالات لقوات المعارضة للتقدم من الجولان من اجل تغيير المعادلة العسكرية هناك، والاحتمال الثاني للرد يتمثل بالقيام بعملية عسكرية محدودة في مزارع شبعا، ولكنها لن تكون بحجم الرد التي تستوجبه خسائر عملية القنيطرة.

اما الاحتمال الثالث فانه يتمثل بالبحث عن هدف خارجي يرد فيه الحزب على اسرائىل بعملية امنية موجعة.

من المؤكد بأن اسرائيل لا تريد المغامرة وخوض حرب واسعة جديدة مع الحزب، خصوصاً وانها تتهيأ لانتخابات عامة، ويدرك نتانياهو بأن الانزلاق الى حرب الآن قد لا يكون في صالحه، وقد يؤدي الى انتحاره سياسياً.

في المقابل لن يسعى حزب الله الى الوقوع ثانية في سوء التقدير للوضع الذي ارتكبه في تموز 2006 والذي ادى الى حرب مدمرة. من هنا فان الحزب ومعه ايران وسوريا سيدرسون بعناية نوع الرد ومكانه وزمانه، وذلك ضمن حسابات دقيقة تحافظ على موازين القوى الراهنة داخل سوريا وعلى مستوى المنطقة والتي تصب في صالح محور المقاومة.