في ظلّ تعذر البدائل، تبدو الانتخابات النيابية المقبلة الرهان المتاح لدى العدو، بوصفها فرصة لتحقيق ما عجزت عنه الخيارات الأخرى لإحداث تغيير في الساحة اللبنانية، ينهي تهديدات المقاومة في وجه إسرائيل،
إلا أن «استراتيجية الأمل»، في ذاتها، ليست استراتيجية يُراهن عليها. وهذه الرؤية باتت تتشكّل لدى النخبة والمراكز البحثية في كيان العدو، وتجد تعبيراتها في تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية التي بدأت تتسرب إلى العلن أخيراً.
فهل خيار الانتخابات النيابية، بعد العمل على تشويه حزب الله وتأليب بيئته واللبنانيين عليه (كما يفعل الأميركيون)، خيار ناجع؟ السؤال يبقى مطروحاً على طاولة التقدير والتحليل حتى حين ظهور نتائج الاستحقاق في أيار المقبل. وإن كان الطرفان، الأميركي والإسرائيلي، في خلاف حول تقديرات النتيجة، رغم أن أياً منهما لا يملك تقديراً مرجحاً وحاسماً.
في هذا السياق، أصدر معهد السياسات الاستراتيجية في هرتسيليا بحثاً بعنوان «الأزمة اللبنانية الحادة والتنافس الإقليمي»، درس الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان بوصفها فرصة استراتيجية لدول الخليج ومصر والأردن من أجل إضعاف حزب الله في لبنان وفي الساحات الإقليمية، عبر المساعدات الاقتصادية والحيوية. إلا أن باحثي المعهد لفتوا إلى أن «التقديرات لا تشير إلى أن الأزمة في لبنان والضغوط الخليجية ستلحق ضرراً بوضع حزب الله ومكانته، خصوصاً أن نفوذه في الساحة الداخلية لا يستند إلى قدراته العسكرية، بل لأنه مندمج بشكل كامل في المجتمع والاقتصاد. وهو لاعب رئيس في السياسة الداخلية في هذا البلد».
واستعرض المعهد جملة عوامل يرى أنها تصب في «النتيجة المأمولة»، وإن كانت محدودة آنياً وعلى المدى المتوسط، يمكن البناء عليها مع تعزيز عوامل أخرى مساعدة، وإن عبر الاشتراك الجماعي لأعداء حزب الله في الداخل اللبناني وفي الإقليم، بما يشمل أيضاً إسرائيل. كذلك استعرض البحث فاعلية المساعدات الاقتصادية وتوريد الغاز والكهرباء والمساعدات العينية، والتي ترى إسرائيل أن لها فيها مصلحة كبيرة، خصوصاً إذا كان مصدرها جهات ودول تابعة للغرب وللأميركيين على حساب «عمليات الإنقاذ» من جانب حزب الله وإيران.
لإسرائيل مصلحة في أن توسع مصر والأردن ودول الخليج تأثيرها في الداخل اللبناني
بعد سرد تاريخي وطويل لوقائع الأشهر الأخيرة حول حدّة الأزمة في لبنان، يخلص المركز إلى ثلاث نتائج رئيسة يجب أن تكون حاضرة على طاولة القرار في تل أبيب:
– لإسرائيل مصلحة في أن توسع مصر والأردن ودول الخليج تأثيرها في الداخل اللبناني، لأن من شأن ذلك أن يقلص نفوذ إيران المتنامي في هذا البلد ويقوض شرعية حزب الله فيه، رغم أن فرصة تحقق هذا المطلب ضئيلة.
– واضح ضعف المساعي السعودية في لبنان. ومن غير المرجح أن تنجح (السعودية) في إيقاف نفوذ إيران على المدى الطويل، أو أن تقلص من قوة حزب الله العسكرية والسياسية والاجتماعية. يضاف إلى ذلك، أن إعادة التوقيع على اتفاق نووي جديد (بين إيران والولايات المتحدة) من شأنه تمكين إيران من ضخ موارد إضافية وكبيرة في اقتصادها، ما يسمح لها بتعزيز مكانة حزب الله في لبنان بوصفه قوة عسكرية وسياسية رائدة في هذا البلد.
– من شأن طائفية حزب الله في النسيج الإثني اللبناني المتداخل، وصلته العلنية مع إيران، وأفعاله التي لا تتماشى بالضرورة مع مصلحة لبنان، أن يؤدي إلى تقويض مكانة هذا التنظيم على المديات الطويلة، ويتطلب ذلك رافعات تعزيز مساعدة لإضعاف قوة التنظيم وإن لاحقاً.
وتبدو التوصية الأخيرة، وإن إلى جانب التقدير السلبي في التوصيتين الأوليين، هي المتاح في هذه المرحلة من ناحية تل أبيب في سياق التزامها بالتوجهات الأميركية إزاء لبنان، سواء جاء ذلك على خلفية الالتزام نفسه نتيجة السطوة الأميركية على القرار الإسرائيلي، أو نتيجة قصورها عن تفعيل خيارات متطرفة ضد المقاومة.