ذروة العنف والقتل، وذروة الهزل والغرائبية..
بين هذين الحدين تتأرجح الأخبار المتواترة عن النظام السوري في السنوات الأخيرة، التي تثير فينا مشاعر الاستفظاع والاستهوال والصدمة تماما، كما تدفعنا أحيانا إلى الضحك والسخرية إلى حدّ عدم التصديق.. كيف بغير هذا يمكن التفاعل مع القرار السوري المفاجئ بأن تضيف وكالة «سانا» للأنباء الرسمية السورية خدمة باللغة العبرية، بالإضافة إلى لغات أخرى من بينها الفارسية؟
سابقا، اعتدنا أنه كلما كانت إسرائيل تقصف في العمق السوري موقعا ما كان الموقف السوري الرسمي «سنرد في الوقت والزمان المناسبين».. فهل أتى الرد عبر «سانا العبرية»؟
التوسع بهذا المعنى في هذا الوقت من تاريخ سوريا يراه النظام خطوة في سياق «مواجهة الحرب الإعلامية التي تشن ضد سوريا». طبعا الخدمة هذه لفتت انتباه الصحف العبرية التي أجمعت تقريبا على أنه لا قيمة إخبارية لهذه الخدمة، كون اللغة العبرية فيها ركيكة وكون معظم الأخبار هي عن الرئيس السوري أو عن إنجازات مزعومة للجيش السوري ضد «الإرهابيين».
إذن، بالمعنى الإعلامي، لا تقدم هذه الوكالة معلومات أو تحليلا أو أي مادة إعلامية تقنع «الممانع» قبل العدو.. فلماذا إذن يعتقد من احتفى بهذه الخطوة أنها ضرورة الآن بالذات؟
رسميا، لا يزال النظام السوري في حال حرب مع إسرائيل، وبالتأكيد فإن الإسرائيليين لن يهرعوا إلى وكالة «سانا» لتلقي الأخبار الدقيقة الصادقة التي ستقلب المزاج العام الإسرائيلي. رغم ذلك فإن «سانا» قالت إنها مصممة على أن تظهر لـ«أهلنا» في الجولان وفي مناطق عرب 48 وجهة نظرها من «الحقيقة»، وهذا الجمهور يتضمن إلى جانب هؤلاء الرأي العام الإسرائيلي.. وللمفارقة، لم يتأخر الرأي العام الإسرائيلي عن التفاعل.
يمكن بسهولة متابعة تعليقات عديدة لإسرائيليين على صفحات «جيروزاليم بوست» أو أي صحيفة إسرائيلية أخرى نقلت خبر بث «سانا» أخبارا بالعبرية لتلمس المزاج الإسرائيلي، ليس حيال «سانا» ولكن حيال النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.
نعم، هناك مزاج إسرائيلي محبذ لبقاء بشار الأسد. قال ذلك قبلا سياسيون إسرائيليون علنا وسرا، ويقوله الآن رأي عام إسرائيلي. فمن مجموعة آراء يمكن قراءة هذه العينة:
«أنا أفضل دعم الأسد على دعم الثوار. قد يكون طاغية لكن الأمور معه كانت أكثر استقرارا».
«سوريا هي كل ما بقي لحماية إسرائيل من (داعش)».
«إسرائيل هي في يد الأسد».
توسع الخطاب الرسمي السوري الاستعراضي بأكثر من لغة جزء من محاولات الأسد الفلكلورية أيضا إقناع كثيرين بأن نظامه الديكتاتوري هو جزء من حلف دولي ضد الإرهاب. إنه تكرار باتت مملا لكذبة سياسية انكشفت تماما بشأن اعتبار أن المأساة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل هما القضية المركزية لدى النظام «الممانع» في دمشق.
تداعت هذه المقولة في اليوم الأول الذي اندلعت فيه مظاهرات ضد بشار الأسد. حينها قال رجل النظام المالي رامي مخلوف إنه لا استقرار لإسرائيل من دون استقرار لسوريا. ولم يتوقف النظام عن محاولة تثبيت معادلة إما هو أو الجحيم، وهذا ما يحدث الآن فعلا.