Site icon IMLebanon

محظورات إسرائيلية تربك الدولة اللبنانية

 

«لا خوف من الإفلاس، لأن لبنان يمتلك ثروة نفطية.»

 

بهذه العبارة المطمئنة حاول الرئيس ميشال عون الردّ على مَن وصفهم بمطلقي إشاعات مقلقة ومواقف سلبية تزعزع الثقة بالاقتصاد اللبناني وتضعف الاعتماد على العملة الوطنية.

 

في الخامس من حزيران (يونيو) الماضي من هذه السنة أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز أن أفكاراً جديدة طُرِحَت عبر قناة سرية أميركية للوساطة في نزاع بحري بين لبنان وإسرائيل عقب تلزيم أعمال التنقيب عن النفط والغاز.

وزاد الوزير يقول: أتمنى أن نتمكن بحلول نهاية سنة 2018 من التوصل إلى حل جزئي للنزاع القائم حول الخط الأزرق المائي.

وقد دعم هذا التفاؤل الإسرائيلي الوعد الذي أعطاه وزير الطاقة والمياه اللبناني سيزار أبي خليل، الذي أعلن أن سنة 2019 ستكون منطلق مسيرة البلاد إلى نادي الدول النفطية.

 

وكرر الوزير اللبناني عبارات التفاؤل في حفلة افتتاح «ملتقى النفط والغاز في الشرق الأوسط»، مؤكداً في كلمته أن لبنان يعوّل على هذا الاكتشاف ليصبح قاطرة للاقتصاد من خلال تأمين مصدر طاقة محلي أقل كلفة وأقل تلوثاً.

 

واندفع، في المناسبة ذاتها، رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير ليبشر المواطنين بأن الاكتشاف الأول للنفط والغاز في مياهنا الإقليمية سيقلب الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، رأساً على عقب.

 

وامتدح الزميل رؤوف أبو زكي، الرئيس التنفيذي للملتقى، قرار الدولة اللبنانية، معتبراً أن هذه الخطوة تثبت حقوق الدولة في مياهنا البحرية.

 

ولم يكتفِ الزميل أبو زكي بهذا القدر من التفاؤل بنتائج الثروة التي ستخرج من تحت البحر، وإنما رسم صورة زاهية تشير إلى ازدهار مختلف القطاعات التجارية والخدماتية والعقارية والمصرفية.

 

مجلة «إيكونومست» هذا الشهر خصّت الوضع الاقتصادي والمصرفي في لبنان بتحقيق مستفيض تُشتمّ منه خطورة استمرار البلاد من دون حكومة. خصوصاً أن حاكم البنك المركزي رياض سلامة بدأ يحذر من انعكاس الوضع السياسي على الأزمة المالية المتنامية.

 

والثابت أن الوساطة الأميركية التي تقدمت بها واشنطن لحل النزاع البحري والحدودي بين لبنان وإسرائيل لم تنجح في تذليل العقبات، علماً أن الرئيس ميشال عون كان يعوّل على هذه الوساطة وعلى دور الأمم المتحدة في معالجة النقاط المتنازع عليها. وقد شملت المطالب التي عرضها الجانب اللبناني على اليونيفيل ضرورة رسم خط أزرق مائي في المنطقة البحرية، الأمر الذي يضمن حرية عمل الشركات المكلفة التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة اللبنانية الخالصة.

 

الموقف الرسمي الأميركي، كما حددته واشنطن ينحصر في منع حصول صدام بين لبنان وإسرائيل، إن كان بسبب الخط الأزرق المائي… أم بسبب جدار الفصل الذي ادعى بنيامين نتانياهو أنه شُيّد وفق الخط الدولي وخرائط الأمم المتحدة.

 

وذكر وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أن هذا الجدار الجغرافي الفاصل اعتمد في مواصفاته على مواصفات الجدار الذي فصل الدولة اليهودية عن قطاع غزة. وهو يتكون من إسمنت وأسلاك شائكة وأسيجة إلكترونية وأجهزة لكشف تحركات المتسللين.

 

ويُستدَل من تطور الأحداث أن إسرائيل بقيت متحفظة عن موضوع البلوكات، خصوصاً على البلوك (9) الذي تعتبره جزءاً من المياه الإقليمية المشتركة. وقد ساهم هذا التحفظ في إرجاء عملية الحفر في بلوك (4) في الوسط. علماً أن لبنان كان يتوقع من الشركات التي منحها حق التنقيب المباشرة في الحفر خلال شباط (فبراير) من هذه السنة. والشركات هي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتك الروسية. ويقول مصدر لبناني يعمل في هذا المجال أن انتقاء الشركة الروسية تم تكليفها لأسباب سياسية، أي بغرض ممارسة الضغط على نتانياهو من قبل فلاديمير بوتين. وعلى رغم هذا الاعتبار، فإن إسرائيل حذرت الشركات الثلاث من المباشرة في الحفر قبل الحصول على موافقة الحكومة.

 

وعندما بلغت الأزمة هذا المستوى من الحدّة، تدخل «حزب الله» ليرد على تهديد دولة اليهود بالإعلان عن توجيه صواريخه نحو منصات الحفر الإسرائيلية.

 

وتفادياً لأي صدام عسكري محتمل، أرسلت واشنطن الوسيط ديفيد ساترفيلد، لعله يتدخل لمنع مواصلة التصعيد من قبل الفريقين. وهكذا حرمت إسرائيل لبنان من استثمار حصته من الغاز البالغة – وفق تقدير الخبراء – 96 ترليون قدم مكعب.

 

ولم يقتصر الأذى على الجانب الاقتصادي فقط، بل أتبعه نتانياهو بارتكاب أذى سياسي عندما صوّر للوسيط الأميركي أن إحياء منطقة الجنوب، وتحويلها إلى محور للعمل والإنتاج، إنما يعني مكافأة «حزب الله» الذي تصنفه الولايات المتحدة حزباً إرهابياً.

 

ونُقِل على ألسنة عدد من المسؤولين الأميركيين، أن إسرائيل لن تسمح للبنان بإنتاج مخزونه الغازي أو النفطي، ما لم يوقع معها معاهدة سلام. أي المعاهدة التي شنّت من أجلها ست حروب فاشلة.

 

وهكذا وضع نتانياهو قضية الإفراج عن إنتاج الطاقة من قبل الدولة اللبنانية شرطاً صعباً هو بمثابة ابتزاز فاضح. ذلك أنه طلب مقايضة السلام مع إسرائيل بإنعاش الاقتصاد اللبناني بحيث تستطيع الدولة تسديد الدين العام الذي قفز على مئة وعشرين بليون دولار.

 

الحكومة الإسرائيلية المصغرة التي يُعنى أعضاؤها برسم الإستراتيجية المستقبلية، رفضت قيام كيان ثري على حدودها الشمالية… كيان يعتمد في تطوير اقتصاده، وبنيته التحتية، على إنتاج الطاقة. ومثل هذا التحوّل السريع سيخلق مجتمعاً يملك مصادر التحدي والمنافسة ضد إسرائيل.

 

وسط هذه الأجواء الخارجية الصاخبة، انزلق السياسيون اللبنانيون فجأة إلى شنّ حروب كلامية، يصعب تقدير تداعياتها على الشارع المتوتر المعبأ بالغضب والكراهية لأصحاب السلطة. وهي حروب انفجرت إثر رفض رئيس الجمهورية الصيغة الحكومية التي طرحها الرئيس المكلف سعد الحريري. ثم برر مكتب الإعلام في بعبدا أسباب رفض الرئيس عون بعرض سلسلة معايير تحدد الأسس التي بموجبها تتم عملية تشكيل الحكومة.

 

واعتبر الحريري أن ملاحظات الرئيس تشكل سابقة لوصاية غير دستورية، الأمر الذي رفضه جملة وتفصيلاً بالقول: «صلاحياتي واضحة في الدستور، وهذا يجب ألا يكون موضع نقاش… ونقطة على السطر!»

 

ولكن هذه النقطة لم توقف موجة الاعتراض التي بدأها رؤساء الحكومات السابقين، الذين حذروا الرئيس الماروني من مغبة إدخال ممارسات وأعراف جديدة على اتفاق الطائف. وقال في هذا السياق النائب السابق مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»، إن الالتفاف على اتفاق الطائف سيدفع لبنان نحو أزمة نظام، ربما تكون أخطر من استهداف سنيّة رئيس الحكومة وصلاحياته الدستورية.

 

وهكذا، من دون سابق إنذار، انفجرت حرب الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بينما وقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في الوسط ليحذر الجميع من خطورة الوضع الاقتصادي، وانعكاس هذا الأمر على مختلف مفاصل الدولة.

 

وكان من الطبيعي أن يصل رذاذ هذه الموجة العاتية إلى صهر الرئيس الوزير جبران باسيل. وبسبب تدخله في كل شاردة وواردة – مثل السطان سليم في عهد شقيقه بشارة الخوري – وصفه خصومه بأنه يمثل رئاسة الظل، وأن الرئيس عون يرغب في انتقائه وريثاً شرعياً له، في رئاسة الدولة، بعد رئاسته التيار.

 

ويبدو أن وزير الخارجية كان يحاول مع «حزب الله» إقناع كبار قادته، التلميح بأنه هو وكيلهم الحصري في القصر الجمهوري، مثلما كان عمّه.

 

والثابت أن «حزب الله» لم يقدم بعد على تغيير موقفه السابق، والتزامه تأييد سليمان فرنجية إلى موقع الرئاسة. ويرى المعلقون أن حظوظ سليمان قد تزداد أهمية في حال نجح صديقه بشار الأسد في الحصول على شرعية جديدة تؤهله لأن يكون رئيساً على كامل الأراضي السورية.

 

يوم الأربعاء الماضي، دخل الرئيس عون على خط الحملات السياسية المفتوحة على كل الجبهات، فانتقد بشدّة الزعيم وليد جنبلاط لأنه يصف عهده بـ «الفاشل.» ويرى أنصاره أن الدور الذي يقوم به صهره جبران باسيل، ليس أكبر من الدور الذي يلعبه صهر الرئيس الأميركي ومستشاره الخاص جارد كوشنر. وهو الموظف الوحيد الذي لم يطرده ترامب من إدارته بعد!