يسم التناقض الخطاب الإسرائيلي تجاه حزب الله والساحة الشمالية عموماً، بما يشمل لبنان وسوريا. يجمع سياسيو إسرائيل وعسكرها وإعلامها على ان الحزب مشغول بالخطر التكفيري، وليس من مصلحته فتح جبهة جديدة في وجه اسرائيل. وفي الوقت نفسه يوجهون رسائل ردع مفرطة ومليئة بالتهديدات تفترض ان الحزب سيفعّل قدراته في وجه اسرائيل.
الا ان التناقض يزداد، في حال تفسيره في اتجاه آخر: يتخوف الاسرائيلي من رد فعل حزب الله على اعتداءات اسرائيلية، مقررة او هي في طور التقرير، في الساحة الشمالية، وهي اعتداءات من شأنها ان تدفع حزب الله إلى الرد رغم انشغاله في الساحة السورية.
من هنا تأتي التهديدات الاسرائيلية وتوجيه رسائل التخويف المكررة الى حد الملل، وآخرها رسالة “نيويورك تايمز”، التي لن تكون الاخيرة في سياق التهديدات المسوقة ضد لبنان واللبنانيين.
الا ان خطابات التهديد الاسرائيلية تظهر نصف الكوب لا اكثر، وتتغاضى عن نصفه الآخر. فالإسرائيليون يهددون باستهداف القرى والبلدات اللبنانية، بسكانها وحجرها وحقولها، وهم لن يهتموا لوجود المدنيين، وسيغيّرون خريطة جنوب لبنان، مع التأكيد، الى حد الافراط، أن الدمار وعدد القتلى من المدنيين سيكونان غير مسبوقين. أما النصف الآخر من الكأس، فهو ما يجري التغاضي عنه اسرائيلياً: القدرات الصاروخية التدميرية لحزب الله، على اقل تقدير، ستكون حاضرة لمواجهة هذا النوع من الاعتداءات بقسوة مطلقة. ويدرك الاسرائيلي ان القدرة والارادة موجودتان لاستهداف اسرائيل وقلبها وليس فقط اطرافها. وهذا ما يفترض ان يكون حاضراً لدى القيادة الاسرائيلية. بل ولعل ما يفسر الارباك لدى الاسرائيلي، انه يجد في ظروف حزب الله فرصة للانقضاض عليه، وفي الوقت نفسه يدرك اثمان ما سيلحق به.
وعلى خلفية التهديد الاسرائيلي في صحيفة “نيويورك تايمز”، يرد سؤال مشروع عن امكانات حزب الله الهائلة، التي لا تنكرها تل ابيب، وعن اللحظة التي يندفع الى استخدامها: هل سيعاين الدمار في مدنه وقراه وبلداته، كما تهدد تل ابيب، من دون ان يحرك ساكناً؟
اذا كانت اسرائيل تهدد 4000 مدني في بلدة شقرا، كعينة من عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تقول انها ستستهدفهم في الحرب المقبلة، حينها، فما عذر حزب الله امام شعبه لترك عشرات الآلاف من ساكني احياء المدن الرئيسية الاسرائيلية بلا استهداف؟ “العين بالعين والسن بالسن”، مقولة واردة في التوراة، ويفترض بالإسرائيليين ان يكونوا اكثر من يدرك معانيها.