يتشدد «حزب الله» في التأكيد أنه لم يورّط لبنان في «حرب المشاغلة» التي أعلنها غداة عملية «طوفان الأقصى»، وأنّ الحياة خارج حدود هذه الحرب الدائرة منذ حوالى سبعة أشهر، تمضي في يومياتها العادية، ووفق معايير خارجة عن المقاييس المتبعة لمفهوم الدولة والمواطن، أينما كان على كوكب الأرض.
ويصر «الحزب» على تجاهل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، وآخرها إشارة وزير الكيان الصهيوني يوآف غالانت، إلى أنّ «هذا الصيف قد يكون حاراً». كذلك يتجاهل ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت عن أنّ «المهجرين من شمال إسرائيل يُطالبون بإبعاد «حزب الله» عن السياج الحدودي عبر عملية عسكرية، وليس من خلال تسوية سياسية، و»يطالبون الحكومة بهزيمة «الحزب» عبر شن حرب تعيد الأمن، وتعيدهم إلى منازلهم».
ولكن ماذا لو نقل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ومعه جنرالات الموت التهديد إلى حيز الواقع، كما حدث منذ العام 1978، ومن ثم 1982، وفي التسعينات مع عناقيد الغضب وصولاً إلى 2006 و»حرب تموز»؟
صحيح أنّ إمكانات «الحزب» العسكرية أقوى بكثير مما كانت خلال تلك الاعتداءات الإسرائيلية، ولكن هل تكفي هذه الإمكانات لحماية لبنان إذا ما توسعت الحرب وشملت كل لبنان وقضت على الحياة اليومية التي يتباهى بالمحافظة عليها؟
لعل «الحزب» يريد أن ينسى أنه في السابق لم يكن السلاح كافياً لتغيير معادلات المواجهة، في حين كان للبنان الرسمي دوره للضغط على المجتمع الدولي والعدو الصهيوني لوقف العدوان. فكان القرار 425 الذي دان إسرائيل وطالبها بالانسحاب من الأراضي اللبنانية، لأنّ الدولة كانت قائمة، وعلى الرغم من الحرب الأهلية، وكان لها في الأمم المتحدة سفير فوق العادة هو الراحل الكبير غسان تويني.
وفي خضم عملية «عناقيد الغضب» عام 1996، كان للشهيد والقامة التاريخية رفيق الحريري إنجاز من خلال «تفاهم نيسان» الذي حقق نصراً ديبلوماسياً وأعطى شرعية دولية لمقاومة، أنهاها «الحزب» المتمسّك ببقائه ذراعاً لإيران التي تتباهى ومن دون مراعاة بأنها تسيطر على لبنان وتصادر قراره الوطني وسيادته، كما بات واضحاً بعد إزاحة الحريري وما تلى ذلك من «أيامٍ مجيدة».
وأخيراً ليس آخراً، لم تكن «حرب تموز» في 2006 ستنتهي بالقرار 1701، وتنقذ «حزب الله»، لولا الرئيس السابق فؤاد السنيورة، الذي كان رائداً في المقاومة السياسية والدبلوماسية، لا سيما لجهة تكليفه الوزير السابق طارق متري تولي المفاوضات مع المجتمع الدولي.
واليوم، وبعد نجاح «الحزب» بالقضاء على لبنان الرسمي بمؤسساته الدستورية وإطاحته باستقراره الاقتصادي والمالي والأمني والاجتماعي والاستشفائي والتعليمي، تصبح مشروعة الأسئلة المتعلقة بما سيحصل إذا ما أضيفت إلى نكباتنا حرب واسعة تشنها آلة القتل الإسرائيلية المجرمة. هل يكفي سلاح «الحزب»؟ هل ينفع حينها الدعم الإيراني، إذا ما حصل، للدفاع عن درة تاجه؟
وإلى أين ستقود مثل هذه المواجهة خارج الدولة المفقودة؟
تصبح هذه الأسئلة وغيرها مشروعة، لا سيما في غياب الدولة ورجال الدولة، وهذا ما تعكسه جلياً التطورات الحالية، نتيجة إصرار «الحزب» على التفرّد بقرار الحرب وتوظيف منظومته الحاكمة لنسف الجهود والمبادرات الدولية التي تنشط للحؤول دون فتح الجبهة الواسعة عبر تطبيق القرار 1701، وحماية لبنان أولاً وأخيراً من إسرائيل المتمادية في عدوانها واستعادة بقايا الدولة دورها.
بالتالي، وإزاء الواقع الحالي بكل التردي الحاصل بفعل استفراد «الحزب» وإلغائه دور المؤسسات، إن مباشرة، او عبر شريكه في الثنائية، لا يعود ممكناً إلا أن يندب اللبنانيون ببالغ الحزن والأسى، لبنان الرسمي. وأن يحلموا بقيامة ما لا تزال مجهولة المصدر.