لا تزال زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين الى لبنان والمنطقة أوائل الأسبوع الحالي، وما حملته من تهديدات “إسرائيلية”، وما تلاها من “فيديو الهُدهد” الذي نشره إعلام حزب الله، حيث كشف بنك الأهداف “الإسرائيلية” في حيفا، وصولاً الى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخير الذي ردّ خلاله بشكل مباشر على كل التهديدات “الإسرائيلية”- الأميركية… لا تزال تتفاعل على الساحة الداخلية والخارجية. فالجميع حائر اليوم أمام تساؤل واحد: هل ستحصل الحرب الموسّعة على لبنان، أم أنّ ردود الحزب استبعدتها الى أجلٍ غير مسمّى؟!
أوساط ديبلوماسية متابعة لزيارة هوكشتاين ولمقترحاته المتعلّقة بالحدود البريّة، أوضحت بأنّ ردود حزب الله الأخيرة على التهديدات التي نقلها الوسيط الأميركي، من “فيديو” المسيّرات الى خطاب السيّد نصرالله، لا بدّ وأن تجعل “الإسرائيلي” و”الأميركي” يتراجعان. فهذه الردود السريعة أظهرت بوضوح جهوزية الحزب العالية، وما سيكون عليه بالتالي الوضع ليس فقط في لبنان، إنّما في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي دول المنطقة أيضاً، في حال شنّت “إسرائيل” المهزومة اليوم في غزّة، حرباً موسّعة على لبنان.
أمّا كلام السيد نصرالله عن أنّه في حال اعتمدت “إسرائيل” على قبرص كقاعدة عسكرية لها، فسيتمّ التعامل معها على أنّها قاعدة للعدو، والذي ردّ عليه الرئيس القبرصي، فلا يحمل في طيّاته تهديداً لقبرص كدولة مجاورة أو للدول الأوروبية الأخرى، بحسب الاوساط، إنّما هو تحذير من كلّ المخططات التي يضعها “الإسرائيلي”، ويُهدّد بها لبنان.
غير أنّ “الإسرائيلي” الذي يُطالب على لسان هوكشتاين، على ما أضافت الاوساط، بمقترحات كثيرة لتنفيذها على مراحل عند الحدود البريّة، من خلال إشارته الى أنّ “النزاع على طول الخط الأزرق بين حزب الله و”إسرائيل” قد استمرّ لوقتٍ كافٍ.. ومن مصلحة الجميع وضع حلول حاسمة”، فيعلم بأنّه لا يُمكن الذهاب الى الحلول الديبلوماسية وتطبيقها جغرافياً على الأرض، قبل وقف إطلاق النار. أمّا أقصى ما يتمنّاه “الإسرائيلي” اليوم، بحسب رأي الأوساط، فهو العودة الى “قواعد الإشتباك السابقة”، أي الى ما كان عليه الوضع الأمني عند الحدود الجنوبية اللبنانية قبل 8 تشرين الأول الفائت، بهدف إعادة مستوطنيه الى المستوطنات الشمالية قبل أيلول المقبل. ولكن لكي يحصل على هذا الأمر، عليه أولاً وقف حرب غزّة، أي وقف جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحقّ الفلسطينيين في القطاع، والتي يُحاكم عليها في محكمة لاهاي الدولية. فضلاً عن عدم توسيع الحرب على لبنان، ووقف اغتيال مسؤولي حزب الله. في حين أنّ عودة المستوطنين والجنوبيين الى ديارهم، فلا يُمكن أن تتحقّق قبل وقف الحرب في غزّة، وعند الحدود اللبنانية الجنوبية.
أمّا استكمال “الإسرائيلي” (والأميركي الداعم له) في مشروع توسيع الحرب، على ما أوضحت الأوساط نفسها، فإنّه سيكون له مردود عسكري خطير ليس فقط على “إسرائيل” إنّما على مصالح أميركا في المنطقة وعلى الدول الأوروبية. وبات معلوماً أنّ دولاً كثيرة ستنخرط في هذه الحرب مثل إيران وسواها، إذ ستصطف كلّ منها الى جانب أحد الطرفين، ما يُذكّر بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ويُنبىء بحرب عالمية ثالثة، إذا لم تُفرمل “إسرائيل” حماستها بشنّ حرب جديدة على لبنان. علماً بأنّ غالبية شعوب الدول المشجّعة على الحرب ترفض استمرارها اليوم، وتتظاهر مطالبة بوقفها فوراً.
من هنا، تضع الأوساط التصعيد الذي حصل أخيراً عند الجبهة الجنوبية، فضلاً عن الكشف عن “فيديو المسيّرات”، وما تضمّنه خطاب السيّد نصرالله الأخير من معلومات، بأنّه نوع من التحضير للتهدئة وللتوازن في غزّة، وفي المنطقة. فالحزب أثبت أنّه يُشكّل “توزان رعب” من خلال ما يملكه من قدرات بشرية ومنظومة عسكرية وإستخباراتية وغير ذلك… و”توازن القوى” هذا، لا يُمكن للعدو أن يتجاهله ويمضي في مخطط تدمير المنطقة، بحجّة ضمان وجوده الذي لن يكون مضموناً. علماً بأنّه سبق لأميركا وللدول الأوروبية أن حذّرت من التصعيد الذي قد يتطوّرالى حرب إقليمية شاملة لن يسلم منها أحد.
وكشفت الأوساط الديبلوماسية عينها، نقلاً عن مصادر أميركية واسعة الإطلاع القول بأنّ “الحديث يتزايد عن أنّ الحرب بين حزب الله و”إسرائيل” قريبة. وتغذّيها التقارير “الإسرائيلية” التي تفيد بأنّ الجيش “الإسرائيلي” قد صدق على خطط الحرب مع الحزب الى جانب الخوف من الجمهور “الإسرائيلي”، وبالطبع من الأصوات العالية للقادة “الإسرائيليين” المتطرّفين”.
وفي الواقع، على ما أضافت الاوساط، إنّ “إسرائيل” وحدها لا تريد حرباً طويلة الأمد يُمكن أن تتحوّل الى حرب إستنزاف لا تستطيع تحمّلها. ولذلك لن تكون الحرب مع حزب الله ممكنة، إلّا إذا دعمتها الولايات المتحدة الأميركية، و/أو زعزعة استقرار إيران أولاً، وكلاهما غير مؤكّد حتى الآن. لهذا راقبوا إيران إذا أصبحت غير مستقرّة فجأة، ثمّ راقبوا حزب الله.
ويعلم الجميع ما يُمكن أن تقوم به الولايات المتحدة، وفق الأوساط ذاتها، فقد تعارض توسعة الحرب وتُبدي غضبها من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لأنّه لا يردّ على نصائحها، وتُقدّم له في الوقت نفسه الأسلحة والذخائر والقواعد العسكرية وكلّ ما يُطالب به لإنجاز الحرب. وهذا ليس بالأمر المفاجىء، خصوصاً وأنّه حصل في لبنان خلال حرب العام 1973. فقد كان وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر يقول حينذاك للسفراء العرب إنّه يعمل على “وقف إطلاق النار”، ومن جهة أخرى يُحرّض “الإسرائيليين” على الإستمرار في الحرب.