هدّدت إسرائيل، على لسان رئيس الموساد يوسي كوهين، باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، الأمر الذي يرفع مستوى تهديدات تل أبيب إلى حدها الأعلى، في استكمال لتهديدات أُطلقت في الأيام القليلة الماضية، بشنّ الحروب والعمليات الأمنية والعسكرية «غير التقليدية»، على محور أعدائها.
والواضح أن الصلة سببية بين التطورات الأخيرة على الساحة الإقليمية، التي تعد تطورات سيئة من ناحية تل أبيب وتحديداً شبه الانكفاء الأميركي عن الإقليم، وبين التهديدات الإسرائيلية كما ترد على لسان كوهين وغيره.
وفي مقابلة مع صحيفة «مشبحة» للمتدينين الحريديم، قال رئيس الموساد إن سليماني «يعرف أن القضاء عليه ليس مستحيلاً، لكنه لم يرتكب إلى الآن الخطأ الذي يضع اسمه على قائمة التصفية لدى الموساد». مع ذلك قال إن «نشاط سليماني واضح وملموس في كل مكان وأنشأ منظومة عمل تمثل تحدياً كبيراً لإسرائيل»، لكن «نريد أن نوضح للجميع أننا سنفعل كل شيء كي لا تكون لإيران قدرة عسكرية نووية، سواء بالاتفاق أم بأي وسيلة أخرى، إذ أن كل الخيارات موجودة على الطاولة».
ورداً على سؤال عن سبب امتناع الموساد عن اغتيال السيد نصرالله، عمد كوهين إلى تطويع الكلام وتوجيهه لأغراض ردعية، وقال: «السؤال هو غير صحيح. السؤال هو هل يعلم نصرالله أن لدينا خياراً للقضاء عليه، والإجابة على ذلك إيجابية؟».
ويتضح من تهديد كوهين المشروط ضد سليماني، وكذلك التهديد «المفذلك» ضد السيد نصرالله، وجود مسعى لدى إسرائيل لتعزيز الردع (الذي بات «مثقوباً» بعد الرسائل العملية الأميركية الانكفائية في المنطقة) عبر التهديد باستهداف قادة المحور المقابل، وعبر ربط تفعيل هذه التهديدات والاغتيالات بعمل ترجّح إسرائيل أن يقدم المحور المعادي عليه: استنساخ هجوم 14 أيلول الماضي على المنشآت النفطية في السعودية، المنسوب لإيران، لاستهداف إسرائيل وبنيتها التحتية.
ورد هذا الترجيح أيضاً في سياق تهديدات أُطلقت في الأيام القليلة الماضية على لسان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، الذي قال (8/10/2019): «لن نسمح بشنّ هجوم ضد إسرائيل وإذا حدث ذلك فسنرد بقوة». وهو أيضاً تهديد يخدم الردع، رغم أنه أيضاً يؤكد وجود تقدير لدى العدو يرجّح هجوماً قاسياً ومؤذياً لإسرائيل.
كلام كوهين وكوخافي يتساوق في أهدافه مع سلسلة مواقف وتهديدات أُطلقت من تل أبيب في الأيام والأسابيع الماضية، هدفت إلى إفهام إيران وحلفائها أن الإرادة والقدرة الإسرائيليتين ثابتتان رغم تراجع واشنطن وانكفائها عن المواجهة.
اللافت في هذا المسعى، موقف صدر عن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، في 15 من الشهر الماضي، لدى ترويجه لاتفاق الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة وفوائده الاستراتيجية، رغم أن هذا الاتفاق وُئِد قبل ولادته: «هذا أمر تاريخي، لأنه يضيف عنصراً قوياً للردع ضد أعدائنا». وبعد أقل من شهر على ذلك، عاد نتنياهو ليمسح ما بشّر به الإسرائيليين وهدّد به الأعداء: «إسرائيل لا تحتاج إلى مساعدة أي دولة لضمان أمنها».
وفي الواقع، نعى نتنياهو الاستراتيجية التي عمل بموجبها، في مواجهة «محور أعداء إسرائيل»، وفي المقدمة إيران، وذلك عبر الاعتماد على الحليف الأميركي، ودفعه هو لمواجهة إيران وحلفائها بشكل مباشر، باعتبار أن مَهمة المواجهة نفسها جزء لا يتجزأ من نتائج صفته حليفاً، وكون التهديد الإيراني مشتركاً ولا يقتصر على إسرائيل.
ما تخشاه تل أبيب هو أن يدرك أعداؤها أن أميركا لن تتصدّى للعمليات التي تستهدف إسرائيل نفسها
وحتى الأمس القريب، كانت هذه الاستراتيجية هي المفعّلة إسرائيلياً في مواجهة إيران، وتقف خلف كل المواقف الإسرائيلية التي تهدّد بأفعال متطرفة، كونها تستند إلى المفهوم الراسخ في وعي أعدائها، ووعيها هي: أميركا هي الجهة التي تتصدى لأعداء إسرائيل في حال استهدافها، وإن جاء هذا الاستهداف في سياق الرد على اعتداءاتها.
ما تخشاه إسرائيل هو أن يدرك الأعداء ان الانكفاء الأميركي المتكرّر والامتناع عن الرد على «الاعتداءات» الإيرانية، يعني أن أميركا لن تتصدى أيضاً للعمليات التي تستهدف إسرائيل نفسها. فإذا امتنعت واشنطن عن الانتقام لاستهداف أصولها هي، كما حصل مع إسقاط الإيرانيين للطائرة المسيّرة الاستخبارية التي لا تقتصر خسائرها على كلفة تصنيعها وحسب بل تمتد لتشوّش على الردع الأميركي نفسه، فستكون أيضاً معنية بالامتناع عن الرد على عمليات «عدائية» على إسرائيل، لها في الواقع ما يبرّرها.
هل هذا يعني أن إسرائيل باتت – نتيجة المتغيّرات – في موقع الكلام بدل الأفعال؟ يصعب التقدير في هذه المرحلة، بل يُرجَّح النفي، وإن كان الأمر كذلك إلى المدى المنظور، فواحد من أهم الأهداف الإسرائيلية الآن، هو التعويض عن «ثقب» ردعها نتيجة الانكفاء الأميركي، عبر التهديدات والتطرف في المواقف والإعلان عن النيات العدائية، الأمر الذي يعني توقع تكاثر التهديدات الإسرائيلية ووفرتها، في المقبل من الأيام.