IMLebanon

سياسة الأرض المحروقة لن تُغني عن السلام

 

مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها السابع والأربعين ومع ارتفاع عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين، الذين تجاوز عددهم الـ 14820 شهيداً من بينهم أكثر من 5840 طفلاً، مما يعني أن هنالك طفلاً يسقط كل عشر دقائق. هذا الإجرام اللامتناهي واستباحة القتل بدون رادع الذي أُعطي لجيش العدو الصهيوني من قبل رعاته الدوليين، دفع بشعوب العالم كله بما فيهم شعوب أوروبا وأميركا الشمالية للتحرك والمطالبة بوقف نار فوري وتحقيق هدنة إنسانية من المرتقب أن تدخل حيز التنفيذ في الساعات المقبلة.

وهكذا وبعد التعنّت الإسرائيلي الرافض لأي هدنة ورفض كل شكل من أشكال المساعدة للمدنيين المحاصرين في قطاع غزة، لا سيما رفضها لإدخال الوقود الخاص بالمستشفيات، وبعد رفض تحرير المحتجزين الإسرائيليين بالطرق السياسية، عادت الدولة العبرية ورضخت معلنة عن قبولها بالحل السياسي لتحربر المحتجزين من رعاياها.

أسباب قبول إسرائيل بالهدنة

لقد بات واضحاً أنه لا الضغوط الدولية ولا القرارات الأممية التي دأبت الدولة العبرية على عدم احترامها قد أملت على إسرائيل القبول، إنما تطورات الميدان أجبرت الجيش الإسرائيلي على التراجع عن غطرسته، إذ إنه أيقن أنه بإمكانه أن يقصف المنازل والأبنية السكنية والمستشفيات لكنه لن يكون بإمكانه السيطرة على الأرض. وبالرغم من التوغل البري لكيلومترات عديدة في شمال قطاع غزة إلا أنه لم يكن في مقدوره بسط سيطرته الكاملة على الأرض، فبقيت الاشتباكات مشتعلة في مناطق توغله، لا بل أن هجمات المقاومين على عناصره وآلياته ازدادت وتيرتها وتسببت بإنهاكه والقضاء على صورة الجيش الذي لا يقهر.

وكان لافتاً في هذه المواجهات بروز حرفية المقاوم الفلسطيني، الذي يقاتل من المسافة «صفر» مستعملاً أسلحة تقليدية كي لا نقول أسلحة بدائية لا تمتّ إلى الجيل الخامس من الأسلحة الحديثة المسيرة بال GPS  والمجسات الحرارية التي يستعملها الجيش الإسرائيلي.

روح المقاومة التي لا تقهر

لم يستطع أكبر جيش في المنطقة كي لا نقول في كل آسيا من إخضاع روح المقاومة لدى الفلسطينيين وذلك بالرغم من الدمار والقتل والتهجير، وهذا يعود لعدة أسباب ليس أقلها أن المواطن الفلسطيني الغزاوي لا يملك شيئاً ليخسره فلا دولة له ولا حرية وحتى أن الإسرائيلي كان يحاصره ويدخل إلى القطاع متى وحين يشاء. لذا هو يدافع عن آخر شبر له وهو يحلم بتحقيق دولته الفلسطينية الموعودة غير آبه بما يحصل على الأرض. وهكذا لم يعد بمقدور الإسرائيلي من محاربة كل شخص بمفرده حتى لو استعمل كل أنواع الأسلحة من طائرات ودبابات ومسيرات. ولعل صورة الفلسطيني الواقف أمام ركام منزله هي خير دليل، سيما حين سأله أحد المراسلين الصحفيين «أين ستقضي ليلتك»؟ فأجابه وبكل ثقة في سريري، فأجابه المراسل ولكن منزلك مدمر وسريرك تحت الركام، عندها أجاب الفلسطيني سريري هو في رأسي ولن يستطيع أحد حرماني منه وأنا ذاهب لأنام فيه.

مأساة غزة وحلم اللبناني بوطن

تتزامن مجازر غزة مع حلول عيد الاستقلال عندنا، ومع تساؤل البعض عن الاستقلال المنجز أو الغير منجز ومع استمرار البحث في جنس الملائكة، يتلهى البعض في البحث عن تمديد من هنا أوتعيين من هناك. ولكن السؤال المطروح متى نعود جميعاً إلى رشدنا ونذهب للاتفاق وننتخب رئيساً للجمهورية بعيداً عن حسابات هذا الفريق أو ذاك وبعيداً عن ضغط الخارج، وهذا مما سيشكل صفعة لكل المتدخلين في الشأن اللبناني فنبرهن للعالم أننا شعب يستحق الحياة وأن الحلول الدولية والإقليمية لن تمرّ على حسابنا.

* كاتب سياسي