رغم الهدنة، استمرت الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب بينما أبقى «حزب الله» الجبهة مفتوحة على كل الاحتمالات، وإن جمّد ردّه بالصواريخ العابرة للحدود. عند إعلان هدنة غزة لم يعلن «حزب الله» أنّ مفعولها سيسري حكماً على الجنوب، تلقائياً عاد السكان إلى قراهم من دون دعوة ولا إعلان رسمي ليدخل الجنوب في هدنة غير متفق عليها أو معلنة حسب الوصف الرسمي لـ»حزب الله».
طوال الحرب الإسرائيلية تعامل «حزب الله» مع جبهة الجنوب على أنّها بمثابة جبهة إسناد لجبهة غزة، وأنّ عملياته ستتوقف حكماً تزامناً مع توقف الحرب الإسرائيلية عليها أو دخولها في هدنة موقتة.
منذ سرى مفعول الهدنة التزم «حزب الله» الصمت، ولم يعلن تزامنها بين الجبهتين متعمداً إبقاء الغموض محيطاً بها. إسرائيل من جهتها لم تطلب من سكان الشمال العودة إلى منازلهم وتعمّدت الفصل بين جبهتي الجنوب وغزة بدليل استمرار انتهاكاتها جواً وبراً للأراضي اللبنانية في الجنوب. طوال الأيام التي تلت الهدنة ومنذ ساعة إعلانها لم تهدأ طائرات التجسس في سماء الجنوب اللبناني وخرقت إسرائيل الهدنة مرات عدة بإطلاق قذائف على القرى اللبنانية المحاذية بهدف منع الأهالي من العودة إليها، وتحقيق غايتها بإنشاء منطقة عسكرية عازلة على الحدود الجنوبية، وعمدت بالفعل إلى إطلاق النار ترهيباً على كل من حاول الوصول إلى نقطة قريبة من الحدود، كان يمكن الوصول اليها قبل حرب غزة وتقصّدت صدّ قاصديها.
يحتل الوضع جنوباً صدارة الاهتمام الدولي، واذا كانت هدنة غزة دخلت حيّز التطبيق وسط وساطات لتحويلها إلى وقف لإطلاق النار، فإنّ عين إسرائيل لا تزال على الجبهة الجنوبية التي تريد تغيير واقعها لتحقيق غايتين مهمتين بالنسبة اليها، وهما إبعاد «حزب الله» عن الحدود، خصوصاً «قوة الرضوان» وايجاد منطقة عازلة على الحدود. طوال الفترة الماضية، وخلال الحرب، وكذلك بعدها، تواصلت الرسائل الدولية التي تحذّر «حزب الله» من مغبّة تحريك جبهة الجنوب، وشكّل القرار 1701 موضع اهتمام دولي لجهة تطبيقه كاملاً بالشق المتعلق بانسحاب «حزب الله» إلى ما بعد الحدود الجنوبية ومنع أي مظاهر مسلحة. واذا كانت جلسة مجلس الأمن في شأنه لم تنتهِ إلى ما هو خارج المألوف، فإنّ القرار كان موضع استفسار مندوبي الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
يعتبر «حزب الله» نفسه غير معني بما يجري من نقاشات في شأن القرار 1701، وأنه لن يمنح اسرائيل ما لم تتمكن من نيله خلال الحرب، وتقول مصادره إنّ الهدف الأساسي من زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان هو البحث في القرار 1701 والتحذير من سعي اسرائيل إلى افتعال حرب ضد لبنان من بوابة الجنوب.
وهو في صدد إسداء النصيحة لـ»حزب الله» في هذا المجال، وإبلاغه الجو الدولي والعربي حيال الوضع الراهن سواء في غزة وما يحضّر لها على المدى البعيد، أو الجنوب اللبناني وجبهته الملتهبة.
«حزب الله» الذي يأخذ ما يتبلّغه في الإعتبار يرى أنّ الإسرائيلي ينأى عن فتح جبهة الجنوب لوجود ضغوط دولية تمنعه من خوضها، وإن كان يحاول أن يوجد واقعاً مختلفاً، فيتقصّد فصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة كي يبرر اعتداءاته ويترك لنفسه حرية اتخاذ القرار بالحرب تعويضاً عن خسارته في غزة. في اعتقاده أنّ إسرائيل كانت توّاقة للهدنة سواء في غزة أو في الجنوب اللبناني، خاصة بعد الخسائر التي منيت بها جراء صواريخ «بركان». وما تقوم به حالياً كانت تمارسه قبل عدوان غزة واستمر خلال الهدنة، ولكن أي عمل أبعد من ذلك لن تقدم عليه حكماً لعدم قدرتها على فتح جبهتين، ولعلمها أنّ أي حرب لن تقتصر على جبهة الجنوب وحده، ولها في العدوان على غزة خير دليل على توحيد ساحات محور المقاومة تضامناً مع غزة، وقد تبلّغ الإسرائيلي عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين وغيره أنّ أي عدوان على جنوب لبنان سيفتح الوضع على كل الاحتمالات وسيحرّك جبهات في أنحاء مختلفة.