كلّما توسّعت جبهة الجنوب تعزّزت احتمالات الحرب الإسرائيلية على لبنان. لا تجد من يؤكد وقوع الحرب أو ينفيها بالمطلق. لا يخرجها «حزب الله» من حساباته، ورغم علمه بوجود رادع أميركي يلجم إسرائيل عن توسيع حربها على لبنان، إلا أنّه لم يسقط من حساباته وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، الذي لم يعد لديه ما يخسره ويدرك أنّ نهاية الحرب على غزة ستقود إلى محاسبته حكماً، ولذا يواصل حربه بشراسة على غزة ويتقصد التصعيد على ساحة الجنوب اللبناني للحدّ من عمليات «حزب الله» على حدوده الشمالية.
للمرة الأولى تجد إسرائيل نفسها في مأزق سياسي وعسكري لم تشهده في تاريخها. انتقادات لرئيس الوزراء ومطالبات باستقالته واتهامه بالفشل وقيام تظاهرات ضده من قبل سكان الشمال المتخوفين من عودة غير آمنة إلى مستوطناتهم خشية أن يكونوا هدفاً لـ»حزب الله»، كما كانوا في جنوب إسرائيل هدفاً لـ»حماس». ويكفي للإشارة إلى عمق المأزق، سحب إسرائيل خمسة ألوية من جيشها من غزة استعداداً للمرحلة الثانية، كما قالت وسائل إعلامها.
لكن لا يبدو أنّ رئيس وزراء اسرائيل يولي اهتماماً لإنقاذ نفسه وتحقيق أي انتصار يعيد تعويمه سياسياً، وقد تكون ساحة الجنوب الوحيدة التي تؤمّن له الهدف بتصعيد هجماته ضدّ «حزب الله» وإلحاق الضرر الكبير بالقرى والبلدات المحاذية للحدود. هي المرة الأولى أيضاً التي تكون فيها الصورة معاكسة وتصنع إسرائيل شريطاً أمنياً من ناحيتها خالياً من السكان ولا يجرؤ جنود جيشها على التجوال بحرية فيه خشية أن يكونوا تحت مرمى ضربات «حزب الله».
بعيداً عن الكلام الدائر حول جدوى ساحة الإشغال انطلاقاً من الجنوب، فإنّ هناك واقعاً جديداً تولّد بنتيجة ما تشهده ساحتا غزة والجنوب مرتبطاً بإسرائيل التي اهتزت صورتها عسكرياً وسياسياً وهو ما تمظهر بقوة في الإعلام الإسرائيلي الذي لم يتوانَ عن شن هجومه على الحكومة متقصداً تحييد الجيش. من وجهة نظر الصحافة الإسرائيلية فإنّ اسرائيل لا تريد شن حرب واسعة على لبنان، كما أنّ «حزب الله» لا يسعى إليها.
ثمة حقيقتان يأخذهما كل طرف معني بتوسيع الحرب في الإعتبار، تعترف إسرائيل حسب صحافتها أنّ الحرب على لبنان لن تكون نزهة وستفتح باب جهنم في المواجهة مع «حزب الله»، وأنّه من الأفضل الشروع في حل ديبلوماسي للحدود الشمالية، ومن خلال الضغط السياسي على الحكومة اللبنانية و»حزب الله». أما بالنسبة إلى «حزب الله» فهو أيضاً، وإن كان لا يرغب في الحرب، يعتبر أنّ ظروف حرب تموز ليست ذاتها في ما يتعلق بموقع لبنان والحاضنة العربية والإقليمية والدولية، ولإيران ما يكفيها من جبهات وهي الدولة التي تواجه عقوبات فلن يكون في وسعها مساندة لبنان بالشكل اللازم، وهو أي «حزب الله» لن يكون السبّاق إلى شنّ هذه الحرب، ولذا فإنّه يصوب على أهداف معينة في الداخل الإسرائيلي ويردّ على مستوى استهدافات إسرائيل. ولكن متى وقعت الحرب وصارت أمراً مفروضاً فلن يتورع عن خوضها بقوة.
ما لا يدركه الكثيرون أنّ واقع «حزب الله» ليس بالشكل الذي يتخيّله البعض، وكما قال أمينه العام السيد حسن نصر الله هناك طلبات انتساب تتقدم بأعداد كبيرة من مجموعات شبابية تطلب أن تكون شريكة على جبهة المواجهة. أمّا من الناحية العسكرية فوقوع الحرب سيشكل عنصر مفاجأة بالنظر إلى الإمكانات العسكرية التي يملكها «الحزب» والتي لا يزال يتجنب استخدامها إلا في حال الحرب الكبرى، كما أنّ حرباً كهذه ستفتح ساحة المواجهات في أكثر من جبهة دفعة واحدة.
رغم كثافة العمليات والردّ الاسرائيلي الذي توسع إلى ما بعد القرى المحاذية للحدود، إلّا أنّ «حزب الله» لا يزال يعتبر أنّ اسرائيل ستحاذر قبل المغامرة في الحرب الكبرى، والأوضاع لا تزال تحت السيطرة من دون أدنى فكرة عن موعد ولو تقريبي لنهاية هذا الواقع الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
وما دام «حزب الله» ربط حرب الجنوب بنهاية حرب غزة يعني دخول لبنان في حال من الانتظار التي يصعب على الموفدين الدوليين خرقها بوساطات أو بإغراءات، كما يحاول أن يفعل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين وغيره. العروض كثيرة، ولكن مسار المفاوضات بطيء للغاية ونتائجه لن تبصر النور بين ليلة وضحاها على ما يؤكد أصحاب الشأن.
بين الحرب واللاحرب خيط رفيع. وفي الحالين جمود وترقب لآتٍ سيكون الأسوأ.