وسط مآسي الحرب الإسرائيلية على غزة وأهدافها السياسية الإلغائية التي لا تدع مجالاً للشك بأنّ هدفها تصفية القضية الفلسطينية، عبر «الترانسفير» الجديد، وفي ظل تركيز الجهود الغربية على الجانب الإنساني الذي يعني بالنسبة إلى دول أوروبا وأميركا الإفراج عن الرهائن لدى «حماس»، وإظهار الاهتمام بإدخال كمية متواضعة من المساعدات غذائية وطبية، من دون المحروقات لتشغيل المستشفيات… بقي الجواب على السؤال الكبير عن إمكان توسع الحرب لا سيما على الجبهة اللبنانية معلقاً، وخاضعاً للتكهنات.
قبل أن يطلق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تهديدات أول من أمس لـ»حزب الله» ولبنان، بخوض الحرب ضدهما، نُقل عنه قوله إنّه إذا التزم «الحزب» ضبط عملياته، فإنّه سيقابله بالمثل، عاد فأكد أنّه متحمس لضربة استباقية لـ»الحزب»، في اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي، وكشف أنّ غيرها في الكابينت (قاصداً رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو) سيحصل في الأيام المقبلة.
استمرار الغموض في هذا الصدد سواءً من جانب إسرائيل أو من جانب «حزب الله» وإيران، جزء من هذه الحرب. وإذا كانت طهران أوحت بأنّ إطلاق الزناد على الجبهة اللبنانية الجنوبية سيحصل خلال ساعات، فإنّ إسرائيل تعتمد التورية والغموض إياهما في تلويحها بفتح الجبهة، التي يستخدمهما الجانب الإيراني. ربما هذا هو المعني بقواعد الاشتباك التي لا يعرف مبادئها سوى الطرفين المعنيين. ويبدو أنّ ما قاله نائب الأمين العام لـ»الحزب» الشيخ نعيم قاسم بأنّ «نحن اليوم في قلب المعركة ونحقق إنجازات فيها»، لأن الهدف كما أوضح هو أنّ «هناك ثلاث فرق إسرائيلية موجودة في جنوب لبنان في مقابل «حزب الله» وخمس فرق في مقابل غزَّة… ولو لم يكن «حزب الله» جزءاً من هذه المواجهة لكانت هذه الفرق كلها هناك».
بذلك يبدو أنّ «الحزب» وضع سقفاً لتدخله على الجبهة اللبنانية. واضطر «الحزب» للرد على المزايدات عليه بوجوب فتح الجبهة، بقول النائب حسن فضل الله: «إن المقاومة تعرف واجبها الوطني والأخلاقي والشرعي والديني جيداً تجاه شعبها والقضية المركزية، فلسطين… انطلاقاً من رؤيتها الاستراتيجية وقراءتها للمعطيات وفهمها لطبيعة العدو والصراع، تأخذ الخيارات المناسبة، سواء في دفاعها عن بلدها هنا في مواجهة العدو الإسرائيلي أو في تعاطيها مع هذه الجريمة الكبرى التي يرتكبها العدو الصهيوني برعاية أميركية ضد الشعب الفلسطيني في غزة».
كما برر النائب في «الحزب» علي فياض عدم فتح جبهة الجنوب بأنّ «المقاومة تتحرك وفقا لسلم متدرج من الخيارات، الحد الادنى فيه هو الحفاظ على قواعد الاشتباك والتوازن مع العدو الاسرائيلي وهذه هي المرحلة الآن، وعنوانها استنزاف العدو وانهاكه. لكن المقاومة جاهزة لكل الخيارات الاخرى».
إذا كانت القاعدة التي يتم الاستناد إليها في توسيع جبهات القتال هي انتظار اقتحام القوات الإسرائيلية لقطاع غزة من أجل تطهير الجزء الشمالي منه من مقاتلي «حماس»، لإقامة شريط أمني بعمق 20 كيلومتراً خالٍ من المقاتلين وشبه خالٍ حتى من المدنيين الفلسطينيين، بهدف حماية أمن غلاف غزة، فإنّ السؤال المطروح بات عما إذا كانت إسرائيل ما زالت تحتاج إلى تنفيذ هذا الاقتحام بعدما أدى قصفها التدميري واستهدافها ما تسميه البنية التحتية للحركة، إلى تفريغ الجزء الشمالي من جزء كبير من المدنيين.
فالأرقام عن النازحين من هذا الجزء تشير إلى نزوح زهاء 400 ألف غزاوي في خلال الأسبوعين الماضيين، أي حوالي نصف سكان الجزء الشمالي الذين أنذرهم الجيش الإسرائيلي بالمغادرة إلى جنوب القطاع. وهذا يعني أن إسرائيل نفذت جزءاً من خطتها لاقتحام غزة من دون اقتحامه، حسب تقدير بعض الدبلوماسيين الغربيين. لكن هؤلاء الدبلوماسيين يعتقدون أنه رغم الدعوة الأميركية إلى القيادة العسكرية الإسرائيلية لعدم المغامرة باحتلال القطاع، كما كتب توماس فريدما في «نيويورك تايمز»، فإن هناك تصميماً في تل أبيب على فكرة القضاء على «حماس»، وهو الأمر الذي لن تقوى واشنطن على معارضته في حال جرى تنفيذه، من أجل إعادة الاعتبار للقدرات الردعية للجيش الإسرائيلي.
أمّا التمهل، أو «التأخر» الإيراني في فتح الجبهة اللبنانية فيرده قسم من المسؤولين اللبنانيين، حتى إشعار آخر إلى أسباب تتعلق بحسابات الضغوط المحلية والدولية على «الحزب» كي لا يسلك هذا الخيار، نظراً إلى عواقبه عليه وعلى البلد ككل. إذ بات معروفاً أن التحذيرات التي تلقاها المسؤولون اللبنانيون في هذا الصدد تشمل ألا ينتظروا أن يلتفت المجتمع الدولي إلى لبنان في حال وقع الدمار الذي سينجم عن إفلات الآلة العسكرية الإسرائيلية من عقالها، كما حصل عام 2006.
تتساءل بعض الأوساط الدبلوماسية عما إذا كانت بادرة الإفراج عن رهينتين أميركيتين لدى «حماس» لا بد أن تكون طهران لعبت دوراً به مع قطر، مناسبة لخفض الاندفاع الإسرائيلي… فلطالما كانت حجة الأولويات الإنسانية مخرجاً للكثير من المآزق. أم أنّ التدابير العسكرية الرادعة التي أعلنت أميركا عنها في اليومين الماضيي، دفعت ايران إلى الامتناع عن فتح جبهة؟
الأيام المقبلة ستأتي بالجواب.