IMLebanon

بين «فيراري» حماس.. و«مخيمات» نتانياهو!

 

أطرف وصف سمعته للفارق بين عملية «طوفان الأقصى»، والحرب الإسرائيلية في غزة، أن مجموعة القسَّام دخلت المستوطنات بهدف إعتقال عدد من العسكريين ومبادلتهم بالمئات من السجناء الفلسطينيين، كما حصل بمبادلة جلعاد شاليط عام ٢٠١١، ففوجئوا بحالة الإسترخاء الأمني، فعادوا بهذا «الصيد الثمين» من الرهائن، أي كمن أراد أن يأخذ موتوسيكل، فوجد أمامه سيارة «فيراري» جاهزة للتحرك!

في حين أن نتانياهو وفريقه المتعجرف، تصوروا أن الدخول إلى غزة لا يختلف كثيراً عن المداهمات اليومية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مخيمات الضفة الغربية، ويهدم المنازل ويقتل الشباب، ويعتقل من ينجو من الموت منهم. ولعل على خلفية هذه الحسابات الخيالية، تعهد نتانياهو للرئيس الأميركي بالقضاء على حماس وإطلاق الرهائن خلال فترة أقصاها أربعة أسابيع. وأخذ الضوء الأخضر للقصف الوحشي المكثف لغزة وشمال القطاع، وحشد أرتالاً من الدبابات، وجحافل من الجيش لإجتياح غزة والمدن الشمالية القريبة منها.

 

حرب نتانياهو دخلت أسبوعها السادس، ولم يستطع حتى الآن القضاء على البنية العسكرية لحماس أو الوصول إلى قيادتها، كما لم يتمكن من إطلاق الرهائن، ولا حتى معرفة أماكن إحتجازهم، رغم الدمار المخيف الذي ألحقه بالأحياء والمباني السكنية، ورغم قصفه للمدارس، وإجتياحه للمستشفيات، بحجة أن الرهائن وقيادات حماس موجودون في الأنفاق تحت مستشفى الشفاء، والمستشفيات الأخرى.

رياح الحرب مازالت تهب لمصلحة حماس، حيث الخسائر العسكرية الإسرائيلية بتزايد مستمر، بشهادة أحد المسؤولين عن دفن الموتى، الذي أكد أن الزيادة بمعدل دفن جثة كل ساعة. كما إستمرت رشقات الصورايخ على تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى، في حين أن الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية، والتي ظهرت مشاهدها على شاشات المحطات العالمية، خاصة بالنسبة لقتل الأطفال والنساء، ومحاصرة الخدّج وقطع الحرارة والأوكسجين عنهم، قد بدأت تهز وجدان الشعوب في العالم، حيث طالبت التظاهرات في أميركا وأوروبا، بوقف النار فوراً، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وخاصة الأدوية والوقود، بالكميات اللازمة لتجنب وقوع كارثة إنسانية في القطاع.

 

في نهاية الأسبوع الرابع، المهلة التي طلبها نتانياهو وبعد فشل الحرب في تحقيق الأهداف التي أعلنها نتانياهو، صدر قرار مجلس الأمن ٢٧١٢ القاضي بإعتماد هدن إنسانية وإدخال المساعدات، والتمهيد لإطلاق الرهائن المدنيين.

في مطلع الأسبوع الخامس، بدأت التباينات في الموقف الأميركي تظهر إلى العلن، حيث أعلنت كلٌّ من وزارة الخارجية والبيت الأبيض الرفض الأميركي القاطع لتهجير سكان غزة قسراً، وعدم القبول بالعودة إلى إحتلال غزة، أو بقاء أي تواجد عسكري أو أمني إسرائيلي فيها، بعكس ما أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية.  كما بدأت البيانات الأميركية تطالب نتانياهو بالعمل على تحييد المدنيين والمستشفيات من القصف اليومي والمدمر لغزة. وضغطت واشنطن، بإعتراف وزراء حكومة الحرب الإسرائيلية، لإدخال الوقود إلى القطاع لتأمين حاجات الأونروا والمؤسسات الإغاثية الأممية، وإعادة تشغيل المرافق الأساسية، من الصرف الصحي إلى الأنترنيت، وتوفير مستلزمات المولدات لبعض المستشفيات الباقية في الخدمة.

وحاول الحليف الأميركي أن يخفف من وطأة الدعم المطلق للحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأولى للحرب، فأعلن بايدن شخصياً إدانته لأعمال العنف والقتل التي يقوم بها المستوطنون ضد البلدات والمخيمات الفلسطينية في الضفة، والتهديد بفرض عقوبات على القائمين بها والمسؤولين عليها، طالبًا من وزارتي المالية والخارجية الأميركية الإسراع في إتخاذ الإجراءات الرادعة للمتطرفين الإسرائيليين.

وإقترح بايدن ،في مقاله المنشور في «الواشنطن بوست»، على المجتمع الدولي البحث في آلية دولية لإعادة إعمار غزة، بعد إنتهاء الحرب، وتمكين السلطة الفلسطينية الشرعية من بسط سلطتها في الضفة وغزة.

والوضع في الداخل الإسرائيلي لا يقل صعوبة بالنسبة لنتانياهو عن الفشل العسكري في غزة، حيث بدأت الأصوات المعارضة للحرب تخرج بتظاهرات جامعة إلى الشارع، ومطالبة بوقف إطلاق النار فوراً. فضلاً عن إتساع حركة التعاطف مع عائلات الرهائن، عبر المسيرة الحاشدة التي خرجت من تل أبيب إلى مقر نتانياهو في القدس.

يضاف إلى ذلك الإنقسام بين الوزراء المتطرفين وحكومة الحرب، الذي من شأنه أن يُطيح بالموقف الموحد للحكومة من تطورات الحرب.

تبقى الخسارة السياسية الكبرى لنتانياهو وحكومته، بعودة الإهتمام الأميركي والدولي بحل الدولتين، كأساس لا بد منه للتوصل إلى السلام الدائم في المنطقة، والذي حاول رئيس الليكود ووزراؤه المتطرفون أن يقضوا عليه، عبر زرع المستوطنات الصهيونية في الضفة، وتقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية الشرعية.

والإرتباك الإسرائيلي في الجنوب اللبناني لا يقل عن التخبط السياسي والعسكري في غزة، حيث إخلاء المستوطنات مستمر، والمناوشات اليومية بتصاعد مقلق بالنسبة للعدو.

ولكن الحذر يبقى وارداً من مغامرة اللحظة الأخيرة التي قد يُقدم عليها نتانياهو لإنقاذ وضعه في غزة، ولكن واشنطن مازالت تحاول ضبط الإيقاع الإسرائيلي في الجنوب تجنباً لإنهاء الحرب، رغم دخول بعض الأسلحة الإستراتيجية ميدان المواجهة في الأيام الأخيرة.