Site icon IMLebanon

إسرائيل لن تسأل عن رهائنها… هل هي المرّة الأولى؟

 

عبّر أحد الديبلوماسيين الغربيين في زيارته الأخيرة الى بيروت، عن قلقه البالغ على أمن المنطقة وإمكان توسّع الحرب نتيجة أكثر من معطى. لافتاً الى انّ ما عزّز شعوره مردّه إلى المواجهة التي لم يعترف بها أحد بعد، بتجاهل حكومة الحرب الاسرائيلية مصير أسراها، باللجوء إلى ما قال به «قانون هنيبعل» الذي يعفي الجيش من «واجب» حماية الأسير على قاعدة «جندي قتيل خير من جندي أسير». وهذه هي المؤشرات.

بعد أن عدّد حجم المصاعب التي تواجه الموفدين الدوليين ومعهم الأطقم الديبلوماسية الساعين الى وضع حدّ للحرب في قطاع غزة، لفت الديبلوماسي المخضرم المنخرط في البحث عن أدقّ التفاصيل الى وجود اكثر من سبب دفع الى التصلّب غير المتوقع بالمواقف التي يواجهها معدّو التفاهمات بطريقة انتفت فيها القدرة على بناء ما يجمع بينها بالحدّ الأدنى للوصول الى خلاصات قابلة للتنفيذ، وهو ما زاد من حدّة المواجهات العسكرية وارتفاع حصيلة العدوان الى ما لم يتوقعه أحد من قبل.

 

وقال الديبلوماسي في أحد لقاءاته مع مجموعة عمل صغيرة تستعين بها بلاده في الأزمات الكبرى وتمّ إحياؤها عقب الحرب في غزة وتداعياتها على لبنان والمنطقة، بأنّ أكثر من وسيط انتهى الى اقتناع شبه راسخ بصعوبة المهمّة منذ أشهر عدة، وتحديداً عند سقوط مجموعة الخطوط الحمر الدولية التي عبّر عنها بوضوح وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن في أول مقاربة له للوضع في غزة، بعد اقل من اسبوعين على عملية «طوفان الاقصى». فهو من رسم امام «مجموعة الثمانية الكبار» التي انعقدت في اليابان في 19 تشرين الاول الماضي معادلة بسيطة، حظيت بتأييد دولي، بعدما أكّد انّه لن يكون هناك احتلال اسرائيلي طويل الأمد لقطاع غزة، ولن يكون لــ «حماس» اي دور في مستقبله، فهو كان ارضاً فلسطينية وسيبقى كذلك، ولا بدّ للسلطة الفلسطينية من ان تلعب دورها بعد تأهيلها لهذه المهمّة، وصولاً الى تاييد بلاده لحل الدولتين المتجاورتين.

 

ولما جاءت التطورات بما لا يشتهيه احد ـ قال الديبلوماسي ـ بدأت الحقائق تتضح يوماً بعد يوم، فتعثرت كل محاولات التطويق ولم ننجح كوسطاء معنيين بأمن المنطقة وعلى علاقات مقبولة بدولها، وكمجتمع دولي، سوى بتحقيق مجموعة الهدن الإنسانية، بعدما تفاقمت وجوهها في القطاع وبلغ حجم الضحايا والجرحى ما لم تشهده اي حرب في تاريخنا المعاصر، مضافةً الى انهيار النظام الصحي وتعثر مهمّة وكالة «الاونروا» والمؤسسات الأممية التي ترعى شؤون اللاجئين في وطنهم، ما دفع بنا الى البحث عن مخارج موقتة في ظلّ غياب أي افق للحل السياسي الشامل لما يُسمّى بـ «أزمة الشرق الاوسط» كما يتمنى البعض، ليكون ما يجري آخر الحروب العربية والفلسطينية مع اسرائيل، وبناء سلام دائم يؤدي الى استكمال برامج التطبيع.

 

وإلى هذه المعطيات، استطرد الديبلوماسي ليقول، كان على حركة «حماس» قبل ان تُطلق عملية «طوفان الأقصى» ان تعرف أنّها لا تتعاطى مع حكومة سياسية اسرائيلية يمكن ان تأخذ وتعطي في ما أرادته من مطالب، فهي الحكومة الأكثر تشدّداً في تاريخها، ولم يكن مستغرباً الكلام الذي نُقل عن أحد أصدقاء قائد «حماس» في الداخل يحيى السنوار، بأنّه لم يكن يقدّر حجم ردّة الفعل الاسرائيلية بعدما عبّر بطريقة من الطرق عن انّه ايضاً لم يكن يحتسب ما قادت إليه عملية «طوفان الأقصى» بدءاً بالتوغل غير المتوقع في قلب المناطق المحتلة وصولاً الى مدن ومستوطنات بعيدة من غلاف القطاع، ولتجمع ما جمعته من رهائن وأسرى عسكريين من مختلف الرتب ومدنيين ومن جنسيات مختلفة، وضعت الحركة في مواجهة مع دول صديقة لها يحملون جنسياتها. ولربما لو لم يكن من بينهم هؤلاء لما نجحت المحاولات الاولى لإخراج مزدوجي الجنسية من القطاع مع احتفاظهم بالعسكريين الى نهاية المطاف، مهما طال زمن المواجهة التي كان يُتوقع ان تكون سريعة قياساً على مجموعة الحروب السابقة التي لم يتجاوز اطولها المئة يوم.

عند بلوغه هذه المحطة من روايته للحرب على غزة، لفت الديبلوماسي الى انّ المجتمع الدولي ما أن نجح في إطلاق سراح مزدوجي الجنسية وسكان القطاع الأجانب، حتى تبّدلت اللغة الاسرائيلية في التعاطي مع أزمة الأسرى والرهائن بطريقة ملحوظة، أوحت بكسر حكومة الحرب مختلف القواعد السابقة للجيش الذي كان يراعي أوضاع أسراه والرهائن. وهو حتى الأمس القريب لم يواجه ازمة سابقة من هذا النوع، بعدما كان يراعي مصير رهينتين او ثلاث، فإذا به يعالج ملفات العشرات منهم وكأنّها اقل من عادية، وهو ما أظهرته طريقة تعاطي صقور حكومة الحرب مع أهالي الرهائن والأسرى، وصولاً الى مطالبة أحد اعضائها بأن يحتسبوهم من بين الضحايا «فهم ليسوا أغلى من «شهداء الجيش» ضباطاً وقياديين وعسكريين. وقال آخر عندما نادى باستخدام «السلاح النووي» في القطاع بأنّه لا يجب ان تكون هناك ازمة رهائن وأسرى.

 

عند هذه المفارقة التي عبّرت عنها الإرادة الاسرائيلية توقف الديبلوماسي ليقول انّه كان لها ما يبرّرها من الجانب الاسرائيلي، على قاعدة إفقاد «حماس» ومن يؤيّدها اهمية هذه الورقة التي كانت تعتقد انّها بالغة القوة، ومن أبرز أسلحتها الدفاعية التي توفّر الحماية لقادتها في الأنفاق وخارجها. وهي معادلة رفعت منسوب المواقف المتشدّدة لدى الطرفين. ففي الوقت الذي لم تحتسب «حماس» اي اهمية لحجم «الضحايا والجرحى المدنيين» بعشرات الآلاف وحجم التدمير، أظهرت اسرائيل عدم اكتراث ملحوظ بسقوط اولى الدفعات المعلن عنها عن قتلى الرهائن والعسكريين بأسلحة جيشها، وقد شكّلت لجنة تحقيق انتهت مفاعيلها بسرعة قصوى، ولم يصدر عنها ما يمكن كشفه أمام الرأي العام، ما شكّل خروجاً على قواعد السلوك السابقة للجان التحقيق الاسرائيلية التي تجاوزت أزمات حقيقية، نتيجة اتهام رئيس الحكومة لقادة اجهزة مخابرات بلاده بالتقصير، قبل ان تُطوى هذه المواجهة في اسرع ما يمكن.

 

وعلى هذه الخفليات، قدّم الديبلوماسي ملف تجاهل الأسرى وعدم إعطاء الأهمية لديه، ليضعه في اولى لائحة الأسباب التي أفقدت الوسطاء الدوليين والأمميين القدرة على البحث عن مخارج لتهدئة الوضع، الى ان بلغت التطورات ما بلغته من خطورة تهدّد الأمن والسلم الدوليين. وهو ما يقود الى اليقين بأنّ إسرائيل لجأت الى تطبيق ما قال به «قانون هنيبعل» من دون ان تعلن ذلك. وهو القانون الذي يعفي الجيش من مهّمة «حماية أسراه ورهائنه»، وهي تجربة قال تاريخ الحروب في اسرائيل انّها اعتمدته في ظروف سرّية اكثر من مرّة. ولكن المفاجأة كانت انّها تعاطت معه بوجود رهينتين او ثلاث وربما بوجود رهينة واحدة. فمن بين 11 أسيراً إسرائيلياً طُبّق عليهم البروتوكول في 7 عمليات عسكرية لم ينج سوى جندي واحد.

وانتهى الديبلوماسي الى القول انّ هناك نسختين من هذا القانون المعروف بـ «توجيه هانيبال»، نسخة سرّية مكتوبة غير متاحة إلّا على أعلى المستويات في الجيش، والأخرى عبارة عن توجيه شفوي لقادة الفرق والمستويات الأدنى. وهو بني على نظرية «الجندي القتيل أفضل من الجندي الأسير»، وهذا هو جوهر عقيدة بروتوكول «هانيبال»، وقد طُبّق في مناسبات عدة منذ 1986 على الرغم من تعليق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي آيزنكوت العمل به في حزيران 2016.