بعد تجاوز مشروع “إسرائيل الكبرى” بتحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ وغزة عام ٢٠٠٥، ومشروع “إسرائيل العظمى” بعد انتصار المقاومة في حرب تموز عام ٢٠٠٦، هزّت معركة طوفان الأقصى وزلزلت أُسس كيان الاحتلال إلى أصل بقاء وجوده، وأكثر من ذلك فإن طوفان الأقصى وضع الكيان الصهيوني على حافة الهاوية والسقوط النهائي والزوال… بهذه الدقة وصف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله واقع الكيان الصهيوني اليوم، بعد عرضه مراحل هزائمه من “إسرائيل الكبرى” الى السقوط النهائي…
هذا الخطر استشعره الأميركي، لذا جاء مُسرِعاً لإنقاذ الكيان، فأدار المعركة بنفسه ووضع أمام “إسرائيل” كل المقدِّرات لتبقى، وحاول إسكات جبهات الإسناد بالترغيب والترهيب لحمايتها، لأن بقاءها هو ضمانة لمصالح أميركا في المنطقة. ومن أجل تحقيق هدف بقاء “إسرائيل” تم التركيز على جبهة جنوب لبنان لضبطها، باعتبار أن حزب الله يُشكِّل الخطر الأكبر على الكيان، فبدأت تتوالى زيارات الوفود الأميركية الى لبنان حاملةً معها مجموعة من العروض للمقاومة لوقف جبهة الجنوب.
ومنذ ذلك الوقت بدأت عبارة “أميركا تمنع “إسرائيل” من شن حرب واسعة على لبنان” تتردد، لكن في الواقع وحتى الآن… ما ومَن الذي يَمنع “إسرائيل”؟؟!!
واقعاً، يعرف الأميركي ما فَعَلَ السابع من تشرين بـ “إسرائيل”، وقد مرّ ستة أشهر على العدوان الصهيوني على غزة، ولم يستطع حتى الآن تحقيق هدف الحرب أو على الأقل ترميم صورة الكيان بعدما مزّقتها عملية طوفان الأقصى، بل أكثر من ذلك ما استطاعوا فعله حقاً هو إظهار صورة الكيان الملطّخة بدماء أطفال غزة، وبما أن واقع “تل أبيب” على جبهة غزة بهذا الشكل، فكيف سيكون واقعها على جبهة جنوب لبنان؟ تسأل واشنطن وتعرف الجواب في آنٍ واحد، فهي تخاف على “إسراىيل” من حزب الله، وبالتالي تخاف على مصالحها.
مشت أميركا بالمسار السياسي التفاوضي مع لبنان علّها تُحقق شيئاً منه، دون الحاجة الى الذهاب الى حرب حتى اللحظة، بحيث ما زالت عينها على الغاز، وتعتبر أن هذه اللحظة المناسبة لممارسة المزيد من الضغوط لتحقيق مكاسب في هذا المجال.
أما كثرة الحديث عن مستوطني الشمال ومحاولة إعادتهم وتأمين ضمانات لهم، والضغط على لبنان بشأنهم، فيعود ذلك الى القلق الأميركي من الهجرة اليهودية تجاه الولايات المتحدة، بحيث يتشارك معه الغرب هذا القلق، لذا يتضاعف الاهتمام الأميركي بهذه الجبهة.
أمام هذه الأسباب يمكن اكتشاف أن وراء الرادع الأميركي لـ “إسرائيل” رادع أقوى للطرفين معاً ألا وهو قوة المقاومة في لبنان، ففي الحقيقة وعلى خلاف كل ما يُقال!! فإن فتح جبهة الجنوب في الثامن من تشرين الأول، وإظهار بعض من قدرات المقاومة بإدارة مُحكَمة للمعركة، عدا أن هدفها هو إسناد غزة، إلا أنها حقّقت هدفاً آخراً ألا وهو حماية لبنان من الجنون “الإسرائيلي”، وجعلته يُعيد حسابات الشمال ألف مرة، بالإضافة الى العقل الأميركي الذي يُفكِّر بمصلحة الكيان التي لن تكون أبداً على حدود جنوب لبنان…