IMLebanon

سيناريوهات لحرب إسرائيلية ثالثة لن تقع

أوحت إسرائيل، في آخر موجات التسريب، أنها ستدمِّر أجزاء من لبنان «عن بكرة أبيها»، إذا هاجم «حزب الله» مناطقها الشمالية. والموجة السابقة كانت مطلع العام، إبان عملية القنيطرة والردّ عليها في شبعا. وقبل ذلك، في خريف 2014، هدَّد وزير النقل الإسرائيلي إسرائيل كاتز بـ»إعادة لبنان إلى العصر الحجري». فلماذا التهديدات الإسرائيلية «المبرمَجة»؟

يبدو خيالياً حجم الخسائر التي هدَّد الإسرائيليون بتكبيدها للبنان في الأيام الأخيرة: ضرب 240 بلدة!… تدمير «آلاف قواعد الصواريخ والمخازن» التي يمتلكها «حزب الله» في الجنوب خلال أسبوع، تهجير مليون ونصف المليون لبناني خلال 24 ساعة، وتنفيذ إجتياح بَرّي.

ويكفي «تكبير الحجر» الإسرائيلي للقول إنّ التهديد الجديد ليس سوى مناورة جديدة، ويصلح فيه الوصف الذي أطلقه السيد حسن نصرالله، أيْ الحرب النفسية. فليس لدى الأوساط الديبلوماسية المتابعة والمطّلعة أيّ مؤشِّر إلى وجود استعدادات لدى أيّ من الطرفين، إسرائيل أو «حزب الله»، للدخول في مغامرة حربية مكلفة إلى هذا الحدّ.

وتقرأ الأوساط تبادل التهديدات على أنه فعلاً حرب نفسية يلجأ إليها الطرفان بديلاً من الحرب الفعلية أو تعويضاً عنها. والمثير هو أنّ كلاً منهما لا يوجِّه رسائله بالضرورة إلى الآخر، بل إلى أطراف أخرى.

ما هو مغزى التسريبات الإسرائيلية المتتالية بشنّ الحرب الثالثة المدمِّرة على «حزب الله» ولبنان؟

1- يدرك المسؤولون الإسرائيليون تماماً أنّ «الحزب» لن ينفِّذ تهديداته ضدّ سكان المنطقة الشمالية. وقد سبق للرئيس بشّار الأسد أن هدَّد بإحداث زلزال وإطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل إذا تعرَّض نظامه للخطر، رافعاً شعاراً مفاده «أنّ الحرب لإسقاطه هي جزء من مؤامرة إسرائيلية». لكنّ الأسد لم يفعل، ولن يفعل لأسباب كثيرة.

إلّا أنّ سكان المنطقة الشمالية في إسرائيل يعيشون قلقاً من تسريبات وسيناريوهات مفادها أنّ «الحزب» قد يقوم في لحظة معينة، ولضرورات معينة، بعملية مفاجِئة ضدّ إسرائيل، يستخدم فيها مئات الصواريخ أو الآلاف، ما يؤدي إلى نزوح نحو مليون إسرائيلي.

ولذلك، جاءت الرسالة الإسرائيلية، وبالحجم الكبير عينه، لطمأنة السكان بأنّ هناك توازناً للرعب يمنع «حزب الله» من تنفيذ تهديده. فالمقصود بالرسالة ليس «حزب الله» بل سكان الشمال.

2- يدرك الإسرائيليون أنّ «الحزب» يحشد مقاتليه في سوريا والبقاع اللبناني، وهو يحتاج إلى التفرّغ الكامل للمواجهة هناك. ولذلك، هو لن يقوم بأيّ مغامرة تفتح عليه أبواب الجحيم من جبهة أخرى، ومن دون مبرِّر. ولذلك، فتهديدهم بالردّ على هجوم يقوم به «الحزب» لا قيمة له على أرض الواقع.

3- الإسرائيليون أنفسهم يعيشون اليوم أفضل أيامهم. فالفلسطينيون منشغلون بالمصير، والمصريون عادوا إلى «العهد المباركي»، والعراقيون باتوا «على الأرض»، والحدود اللبنانية أكثر من هادئة، وفي سوريا ينشغل الجميع- وهم جميعاً محسوبون أعداء لإسرائيل- في صراعاتٍ لا تنتهي. فلماذا تتحرَّش بهم أو بأحدهم؟

4- تفهم القوى الدولية الداعمة لإسرائيل، والأميركيون خصوصاً، أنّ تهديداتها ليست سوى مناورة. ولو كان الأميركيون يعتبرونها جدية، لَتدخَّلوا لِتدارك الموقف. فالوقت ليس مناسباً لينشغلوا بعودة الصراع العربي- الإسرائيلي القديم، فيما هم يديرون الأزمات «الإنتر عربية» من المحيط إلى الخليج.

5- ليس الإسرائيليون في وارد أيّ خطوة في هذا الحجم ضدّ «حزب الله» في لبنان لأنها قد تصيب فيه مقتلاً، فيما مصلحتهم استمرار كلّ القوى المتصارعة في سوريا على رقعة الصراع، فلا يسقط أيّ منها قبل بلوغ الأهداف النهائية.

6- إذا كان الأميركيون في وارد توقيع اتفاق مع الإيرانيين على الملف النووي في الأسابيع المقبلة، فمن البديهي أن يكون هناك تنسيق في شأنه بينهم وبين حليفتهم إسرائيل. فالأميركيون لا يقطعون خيطاً في الشرق الأوسط من دون رضى إسرائيل. ولذلك، هي لن تقوم بالتشويش على الإتفاق وتعطيله؟

7- اللافتُ أنّ الإسرائيليين يكرِّرون التهديد بأنّ هدفهم لن يكون «حزب الله» فحسب، وإنما المدنيون اللبنانيون والبنى التحتية. وهذه محاولة من إسرائيل للتذكير بالنكبة التي حلَّت بلبنان وبناه التحتية خلال حرب تموز 2006. ففي هذه الحرب، تكبَّد «الحزب» خسائر، لكنّ الخاسر الأكبر كان لبنان بمرافقه وقطاعاته وبناه التحتية.

ويدرك الإسرائيليون أنّ الضغط الذي يمارسونه اليوم بتهديداتهم ستتحمل تبعاته الدولة اللبنانية التي تنوء تحت أثقال مليونين ونصف المليون نازح سوري وفلسطيني، فيأتيها التهديد بتهجير مليون ونصف المليون لبناني. وهذا التهديد يثير الكوابيس الاقتصادية والاجتماعية على أبواب فصل الإصطياف.

إذاً، لن تنفّذ إسرائيل تهديداتها بـ«سدوم وعمورة» في لبنان، ولن ينفِّذ «حزب الله» والأسد تهديداتهما بزلزال في إسرائيل. وربما ولّى الزمن الذي تكون فيه إسرائيل مضطرة إلى خوض الحروب الكلاسيكية على لبنان أو سواه. فالزمن العربي كلّه هو زمن إسرائيلي. والحروب الإسرائيلية في أوجها، أينما كان، ولكن بأدوات عربية وضحايا عربية.