Site icon IMLebanon

قلق إسرائيلي بعد عدوان القنيطرة: المستقبل يبدو عسكرياً

واصلت التعليقات في الصحف الإسرائيلية اتخاذ منحى انتقادي من الغارة الجوية قرب القنيطرة، خصوصا بعدما تبين أن لها أيضا بعداً إيرانياً هاماً يزيد في تعقيد المسألة. ورغم الصمت الذي تلتزمه إسرائيل الرسمية، فإن العديد من الجهات تحدثت عن رفع حالة التأهب على الحدود مع لبنان بل وإرسال بطاريات القبة الحديدية إلى هناك استعدادا لكل طارئ. وإلى جانب ذلك كثفت أجهزة التقدير السياسية والعسكرية مداولاتها بغرض الاستعداد للأسوأ، خصوصا مع تزايد التقديرات بشأن احتمال أن تفلت الأمور عن السيطرة.

«قصف قبل الانتخابات»

وكانت «هآرتس» الأكثر جرأة في نقدها حيث كرست افتتاحيتها لهذا الغرض وكانت بعنوان «قصف قبل الانتخابات». وأشارت إلى أن «عمليات الاستعراض العسكرية تميز الحملات الانتخابية في اسرائيل، خصوصا عندما يكون حزب السلطة في ضائقة. والفرضية المستترة لزعماء الدولة هي ان الجمهور (اليهودي) يحب الانتصارات العسكرية السهلة، ويفترض باستعراضات القوة كهذه أن تعزز صورة رئيس الوزراء ووزير الدفاع وتقنع الناخبين بأنهم ملزمون بإبقائهما في منصبيهما».

وعددت الصحيفة الأمثلة على ذلك منذ الخمسينيات مرورا بحرب «عمود السحاب» على غزة عام 2012 وانتهاء بالغارة في القنيطرة. وقالت إن «رسالة الغارة للجمهور هي أن نتنياهو ووزير دفاعه قويان في مواجهة حماس وحزب الله وأن خصميهما، اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني، لا يملكان الشجاعة لاتخاذ قرارات كهذه».

مع ذلك تلحظ افتتاحية «هآرتس» صعوبة إثبات الاعتبارات الانتخابية خلف القرار.

ويشير المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل إلى أن «مقتل الجنرال الايراني سيُعقد الوضع»، حيث إن الإعلان الإيراني الرسمي عن مقتل الجنرال محمد على الهادي «يدخل الى قلب التوتر القائم بين اسرائيل وايران ليس فقط حزب الله. فجهاد مغنية لم يكن الشخصية الكبيرة التي قُتلت في هذا الهجوم، بل ايضا الجنرال الايراني الذي هو مساعد لقاسم سليماني، وهو قائد جيش القدس في الحرس الثوري الايراني والشخص المسؤول عن نشاطات الارهاب والمخابرات الايرانية في الخارج. ومغنية الابن هو بالمقارنة مع هذا الشخص بمثابة كائن صغير».

ويشدد هارئيل على أن «شخصية القتلى ستعقد الوضع أكثر فأكثر. فإسرائيل وايران تتبادلان الاتهامات منذ سنين… لكن هذه المرة الحديث لا يدور عن عبوة ناسفة على دراجة أو عبوة مخبأة في قلب طهران أو فيروس حاسوب لا يُبقي وراءه أثرا عندما يشوش على عمل الاجهزة الالكترونية في المفاعل الايراني، بل عن سيارتين قصفتا جواً على مسافة بضعة كيلومترات من الحدود في الجولان. واسرائيل هي الوحيدة التي تستخدم القوة الجوية في المنطقة عدا سوريا».

من هو هدف الهجوم؟

وأمام تعقيدات الوضع يطرح هارئيل تساؤلات بشأن قرار الغارة: «السؤال الاول يتعلق بالمعلومات الاستخبارية: هل جهاد مغنية، قائد خلايا الارهاب لحزب الله في هضبة الجولان، كان هدف هذا الهجوم أم كان معروفا أن في القافلة جنرالاً ايرانياً أيضا؟ والسؤال الثاني أُثير هنا وهو هل الموافقة على العملية وإقرارها كان مثابة عمل عادي فقط تم فيه استغلال فرصة مواتية لعمل عسكري، أم أن الانتخابات القريبة كانت في خلفية العملية؟ مشكلة هذا النقاش هي أنه يجري تحت الكثير الغطاء والسرية، وهو عبارة عن لعبة (يتراءى لي)، والموقف الرسمي الاسرائيلي هو الحفاظ على الغموض، فهي لا تُقر ولا تنفي أنها هاجمت في هضبة الجولان السورية، كما تصرفت في اعتداءات سابقة لها نُسبت لسلاح الجو ووجهت الى قوافل سلاح لحزب الله. ولكن العنوان الرئيس هذا الصباح لصحيفة السلطة الاسرائيلية (اسرائيل اليوم)، يقول إن قواتنا هاجمت خلية مخربين كبار في هضبة الجولان السورية».

ويشير هارئيل إلى أن «بوسع نتنياهو مع ذلك الإفادة من الغموض والتنصل من مسؤولياته. ويرى أن هذه الفائدة قد تتبدد إذا قرر الإيرانيون وحزب الله الرد على استهداف رجالهم بالتصعيد أو بسلسلة عمليات تترك أثرها على الانتخابات».

تم التخطيط لعملية تكتيكية

فجاءت النتيجة محرجة

من جانبه رأى المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرنوت»، أليكس فيشمان، في مقالته بعنوان «ثلاثة عصافير بحجر واحد»، أن المثير للسخرية «أننا نجحنا أكثر مما ينبغي. ما كان يفترض أن يشكل إحباطا لأحداث تكتيكية غدا أزمة استراتيجية. والقبب الحديدية صارت تنتشر منذ الآن في الشمال». وأضاف أن إسرائيل التي لم يسمها معتبرا أنها «الجهة المجهولة» خلف القصف «قضت بصاروخين على ثلاثة عصافير بضربة واحدة: أصابت السيادة السورية، وأصابت رمز حزب الله واغتالت جنرالا ايرانيا. كل محور الشر ـــ ايران، سوريا وحزب الله ـــ تلقى دفعة واحدة ضربة وإهانة علنية لاذعة».

«مشكلة في التفكير الاستراتيجي»

وأشار فيشمان إلى احتمال أن من قرروا ضرب «القائد المحلي لحزب الله جهاد مغنية ومساعديه، ليس مؤكدا أبدا انهم كانوا يعرفون بيقين انه كان في هذه العصبة ايضا ضابط ايراني كبير من الحرس الثوري. في واقع الامر، يمكننا أن نأمل ألا يكونوا يعرفون: وإلا فإن لدينا هنا مشكلة في التفكير الاستراتيجي». وأضاف أنه على الأغلب تم التخطيط لعملية تكتيكية على الحدود فجاءت النتيجة محرجة. «وليست اسرائيل وحدها من صمتت، بل صمتت أيضا كل وزارات الخارجية في العالم. وقد تراجع الجميع ودفنوا رؤوسهم في الرمال، على أمل أن يمر هذا الحدث كيفما اتفق. واذا ما وقعت عاصفة ما ـــ من جهة ايران، سوريا، حزب الله أو ثلاثتهم معا ـــ يأملون ان تكون قصيرة».

وأبدى فيشمان تقديره بأن «إعلان إيران وحزب الله وقوع ضحايا وتسيير جنازات، فإن هذه رسالة تقول: سوف نرد. وحينها يدخل الجميع في حالة تأهب». ويضيف «مع أنه قيل للسكان في الشمال واصلوا حياتكم العادية وابتعدوا عن الحدود، إلا ان خلايا التأهب أعلنت عن بقائها في البلدات وحافظت على حالة التحفز. وتنسجم هذه التعليمات تماما مع آخر ما نشر ـــ بما فيها المقابلة التي أعطاها نصرالله الاسبوع الماضي ـــ حول خطط حزب الله لاحتلال بلدات في الجليل. وبالنسبة للجاليات اليهودية والمؤسسات الاسرائيلية في الخارج فإنها متحفزة على أي حال منذ العملية في باريس. أما الآن فهي أكثر تحفزا».

وانطلق فيشمان ليشرح البعد الاستراتيجي لـ «حزب الله» في العمل قبالة هضبة الجولان، معيدا التذكير بما سبق ونشره قبل حوالي شهر من أنه يعمل إلى جانب الشهيد جهاد مغنية «قائد آخر في حزب الله: سمير قنطار – ذاك المخرب ذاته ـــ ذاك المخرب من أصل درزي الذي تحرر من السجن الاسرائيلي في 2008. وينشغل قنطار في تجنيد الدروز لعمليات تخريبية على طول الجدار الحدودي مع اسرائيل».

سفوح جبل الشيخ صارت

منطقة استراتيجية لـ «حزب الله»

واعتبر فيشمان أن الغارة فتحت «دملاً إشكالياً آخذاً في التورم في ست قرى في سفوح جبل الشيخ السوري التي غدت معقلا لحزب الله». وفي نظره فإن «هذه الزاوية، في سفوح جبل الشيخ، غدت منطقة استراتيجية لدى حزب الله: … فحزب الله يؤمن بأن اسرائيل تعيش ضغطا من السكان الدروز في أراضيها ممن يحثونها على التقدم نحو البلدات الدرزية في الجولان السوري، بذريعة الحماية في وجه المذبحة التي بانتظار الدروز على أيدي المنظمات الإسلامية. وتستند المنظمة الى تصريحات رئيس الأركان غانتس في أثناء زيارته لزعيم الطائفة الدرزية في اسرائيل موفق طريف، في شهر تشرين الاول، حين تعهد بالدفاع عن القرى في الجولان السوري. ويخشى حزب الله ان تكون السيطرة الاسرائيلية على القرى الدرزية في سفوح جبل الشيخ السوري جزءاً من خطة شاملة لديها للسيطرة على كل قمم جبل الشيخ. فسيطرة اسرائيلية على هذه المنطقة لن تبعد فقط نظام الاسد عن موقعه الأخير في الجولان، بل ستحاصر حزب الله وتلتف عليه في المواجهة المستقبلية. وفضلا عن ذلك، ففي حزب الله يخشون من أنه اذا ما سيطرت اسرائيل على سفوح جبل الشيخ ــــ بدعوى مساعدتها للدروز ــــ فإن من شأنها أن تسمح لجهات في سوريا معادية للمنظمة بالمرور عبر هار دوف والدخول الى لبنان. ويعتبر حزب الله العملية كمرحلة اخرى في الخطة الاسرائيلية لإبعاد رجاله عن هذه المنطقة. من ناحيته، هذا سبب يدعو الى المواجهة المسلحة».

كيف يصنعون السلام مع مليشيات الإرهاب؟

ورغم أن صحيفة «إسرائيل اليوم» تعبر عن ميول حكومة نتنياهو وتسند قرارتها، إلا أن محرر الشؤون الدولية، بوعز بسموت، كتب مبيناً أن الغارة «أوضحت طبيعة العالم الذي تعيش فيه المنطقة حاليا، إيرانيون ولبنانيون على أرض سورية». وأشار إلى أن «العدو اليوم غدا أكثر خطرا، أشد تطرفا وأكثر انقساما». وذهب إلى حد القول إن «الشرق الاوسط الجديد نجح في أن يُقرب منا الحدود الايرانية، رجال حزب الله، رجال القاعدة وعمليات داعش. وكما هو مفهوم رجال جبهة النصرة الذين نجحوا قبل بضعة أشهر في السيطرة لفترة محدودة على موقع في الحدود بيننا وبين سوريا. من جهة اسرائيل فإن هذا كابوس. الحديث يدور عن حلم مروع قد تحقق. الصاروخان اللذان اغتالا المخربين الكبار في هضبة الجولان يُثبتان لنا أنه قبل أن يحل السلام يتوقع أن تكون هناك مواجهة اخرى. اذا تحدثنا عن المستقبل القريب، فهو يبدو عسكريا أكثر منه سياسيا. ومن يعتقد العكس فليتفضل وليشرح لنا كيف يصنعون السلام مع مليشيات الارهاب؟».