تندرج الجولة التي بدأها وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر باسرائيل على ان تقوده لاحقاً الى المملكة العربية السعودية والاردن من اجل محاولة تسويق الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الست مع ايران حول ملفها النووي وتهدئة المخاوف ازاء بنوده وازاء رفع العقوبات عن ايران في اطار المساعي التي بدأتها ادارة الرئيس باراك اوباما ساعات قليلة بعد توقيع الاتفاق يوم الثلثاء الماضي في 14 الجاري من اجل ازالة الاعتراضات الداخلية للكونغرس الاميركي واحتمال تأثير الاعتراضات الخارجية لا سيما من اسرائيل على مواقف الكونغرس. وتعمد اسرائيل الى رفع الصوت عاليا محذرة من مخاطر الاتفاق على عكس ما تفعل الدول العربية في ما قد يساهم في رفع نسبة الدعم الاميركي لها، وفق ما وعد الرئيس أوباما في الحديث الصحافي الذي ادلى به الى صحيفة نيويورك تايمز فور توقيع الاتفاق. اذ ابدى استعداده للذهاب أبعد مما ذهبت اليه اي ادارة اميركية في ما يتعلق بتقديم الضمانات الامنية لاسرائيل. كما ان المساعدة الاولى لوزير الخارجية الاميركي ويندي شيرمان قالت في موجز امام صحافيين اسرائيليين ان الرئيس الاميركي حاول في الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو التحدث عن السبل التي تدعم التعاون الامني المستقبلي مع اسرائيل. وتقول مصادر سياسية ان اسرائيل تدرك انها لن تجهض الاتفاق حتى لو ساهمت في رفع وتيرة الضغط الذي سيمارسه الكونغرس على الرئيس الاميركي، لكنها تستطيع ان تستثمر ورقة اعتراضها الى اقصى درجة. ولعل الموقف الذي أعلنه مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي قبل يومين من ان ايران ستستمر في دعم اصدقائها في المنطقة “ولن يغير الاتفاق دعمنا اصدقاءنا في المنطقة وشعوبها في فلسطين واليمن وسوريا والعراق والبحرين والمجاهدين في لبنان” يضيف ذرائع اضافية الى الصراخ الاسرائيلي في هذه الاونة، ما يرفع سقف الاعتراض وتالياً المطالب والضمانات التي تبدأ من استمرار رعاية ايران للارهاب” الى مساهمتها او محاولتها وضع اليد على الحدود في الجولان. وتاليا فان الحصول على الضمانات الامنية الاضافية من الادارة الاميركية قد يضاف اليه ايضا تضييق الهامش امام اي مطالبة اميركية لاسرائيل بابداء اي مرونة في ملف المفاوضات مع الفلسطينيين او الضغط في اتجاه وقف بناء المستوطنات والذي كان سببا من اسباب توتر العلاقات بين الادارة الاميركية الحالية وحكومات نتنياهو المتعاقبة.
وواقع الامر ان المخاوف من انفتاح الباب امام عدم استقرار اضافي في المنطقة وتصاعد وتيرة الصراع السياسي على اثر الاتفاق النووي لا يأخذ المخاوف التي تعلنها اسرائيل في الاعتبار بالمقدار نفسه الذي تعبر عنه المخاوف او الهواجس التي تبديها الدول العربية. اذ ان احدا من المراقبين الديبلوماسيين والخبراء المعنيين بالاتفاق وقراءة انعكاساته لم يتناول هذه الانعكاسات على اسرائيل بل كيفية تأثيرها في المنطقة وما يتصل بها بالدول العربية. ويعود ذلك الى الاقتناع بان اسرائيل وفي ظل تقييد الطموح الايراني ستبقى الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك اسلحة وقدرات نووية، فضلا عن الاقتناع بانها تبقى محمية من اي تهديد ايا كانت طبيعته بموجب الدعم الاميركي اللامحدود لها، على رغم ان ادارة اوباما لم تكن في افضل الاحوال مع رئاسة نتينياهو للحكومة الاسرائيلية. وحتى في عز المناقشات الدولية حول اتفاقات لوقف الانتشار النووي في الامم المتحدة في نيويورك او جنيف او فيينا فان الولايات المتحدة لم تبد اي مرونة مع اي بند يمكن ان يساهم في ضبط القدرات الاسرائيلية في مجال الحد من الانتشار النووي. يضاف الى ذلك تبدل واقع الاوراق التي تدعمها ايران في فلسطين المحتلة بحيث انها لم تعد تشكل ذلك التهديد السابق الذي تشكله، اضافة الى تبدل واقع او دور “حزب الله” في جنوب لبنان بحيث تعد اسرائيل الدولة المستفيدة بامتياز مما يجري في المنطقة في ضوء انهيار او تراجع فعلي لما قد لا تستطيع مواجهته. في حين ان عدم الاستقرار المرتقب او المتوقع يرتبط بالحرب المستعرة بالواسطة بين ايران والدول العربية او الخليجية وطموح ايران لتثبيت مواقعها ونفوذها في الدول العربية عبر دعم انظمة او مجموعات ساهمت من خلالها في تسعير العداء المذهبي على نحو خطير على غرار دعمها الحوثيين في اليمن ونظام بشار الاسد في سوريا و”حزب الله” في لبنان ومحاولة تحريك او دعم الشيعة في الدول العربية.
وليس واضحا ما قد تكون عليه الضمانات التي يمكن ان تقدمها الولايات المتحدة للدول العربية طمأنة لها من تبعات الاتفاق والعدائية الايرانية التي يمكن ان تتزايد في المنطقة بعد الاتفاق، علماً ان ما قدّم لها حتى الآن، خصوصاً في قمة كامب ديفيد، لم يكن كافيا او مرضيا بالحد الكافي لها، علماً ان بعض الدول الغربية اعتبرت ان “الاتفاق هو عامل لاعادة الاستقرار الى المنطقة”. الا ان بعض المصادر الديبلوماسية تخشى انه اذا تبين بعد اشهر قليلة ان عامل الثقة والاطمئنان لم يتوافر بتوقيع الدول الغربية على هذا الاتفاق، فان الدول العربية قد تجد نفسها تحت ضغط قوي للسعي الى موازنة ايران في قدراتها النووية وذلك على نحو يناقض اطمئنان الدول الغربية الى المعلومات المتوافرة لديها عن عدم سعي هذه الدول الى اعتماد هذه الطريق او التفكير بذلك.